وَثَلَاثِينَ وَجَلَسَ فِي حَلْقَتِهِ وَدَرَّسَ مَكَانَهُ بِزَاوِيَةِ المالكية والفقيه تاج الدين إسماعيل بن جميل بِحَلَبَ، وَكَانَ فَاضِلًا دَيِّنًا سَلِيمَ الصَّدْرِ رَحِمَهُ اللَّهُ.
فيها كان عود السلطان الصَّالِحِ نَجْمِ الدِّينِ أَيُّوبَ بْنِ الْكَامِلِ مِنَ الشَّامِ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَزَارَ فِي طَرِيقِهِ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَفَرَّقَ فِي أَهْلِهِ أَمْوَالًا كَثِيرَةً، وَأَمَرَ بِإِعَادَةِ سُورِهِ كَمَا كَانَ فِي أَيَّامِ عَمِّ أَبِيهِ الْمَلِكِ النَّاصِرِ فَاتِحِ الْقُدْسِ. وَنَزَّلَ الْجُيُوشَ لِحِصَارِ الْفِرِنْجِ فَفُتِحَتْ طَبَرِيَّةُ فِي عَاشِرِ صَفَرٍ وَفُتِحَتْ عَسْقَلَانُ فِي أَوَاخِرِ جُمَادَى الْآخِرَةِ، وَفِي رَجَبٍ عُزِلَ الْخَطِيبُ عِمَادُ الدِّينِ دَاوُدُ بن خطيب بيت الأبار عن الخطابة بجامع الأموي، وتدريس الغزالية، وولى ذلك للقاضي عِمَادُ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ الْحَرَسْتَانِيِّ شَيْخُ دَارِ الْحَدِيثِ بَعْدَ ابْنِ الصَّلَاحِ. وَفِيهَا أَرْسَلَ الصَّالِحُ أَيُّوبُ يَطْلُبُ جَمَاعَةً مِنْ أَعْيَانِ الدَّمَاشِقَةِ اتُّهِمُوا بِمُمَالَأَةِ الصَّالِحِ إِسْمَاعِيلَ، مِنْهُمُ الْقَاضِي مُحْيِي الدِّينِ بْنُ الزَّكِيِّ، وَبَنُو صَصْرَى وَابْنُ العماد الكاتب، والحليمي مَمْلُوكُ الصَّالِحِ إِسْمَاعِيلَ، وَالشِّهَابُ غَازِيٌّ وَالِي بُصْرَى، فَلَمَّا وَصَلُوا إِلَى مِصْرَ لَمْ يَكُنْ إِلَيْهِمْ شَيْءٌ مِنَ الْعُقُوبَاتِ وَالْإِهَانَةِ، بَلْ خَلَعَ عَلَى بعضهم وتركوا باختيارهم مكرمين.
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ.
ابن حمزة العلويّ الحسيني، أبو عبد الله الافساسى النَّقِيبُ قُطْبُ الدِّينِ، أَصْلُهُ مِنَ الْكُوفَةِ وَأَقَامَ بِبَغْدَادَ، وَوَلِيَ النِّقَابَةَ، ثُمَّ اعْتُقِلَ بِالْكُوفَةِ، وَكَانَ فَاضِلًا أَدِيبًا شَاعِرًا مُطَبِّقًا، أَوْرَدَ لَهُ ابْنُ الساعي أشعارا كثيرة رحمه الله.
هو عمر بن محمد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَزْدِيُّ، أَبُو عَلِيٍّ الْأَنْدَلُسِيُّ الإشبيلي، المعروف بالشلوپين. وَهُوَ بِلُغَةِ الْأَنْدَلُسِيِّينَ الْأَبْيَضُ الْأَشْقَرُ. قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: خُتِمَ بِهِ أَئِمَّةُ النَّحْوِ، وَكَانَ فِيهِ تَغَفُّلٌ، وَذَكَرَ لَهُ شِعْرًا وَمُصَنَّفَاتٍ، مِنْهَا شَرْحُ الْجُزُولِيَّةِ وَكِتَابُ التَّوْطِئَةِ. وَأَرَّخَ وَفَاتَهُ بِهَذِهِ السَّنَةِ. وَقَدْ جَاوَزَ الثَّمَانِينَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعَفَا عنه.
أَصْلُهُ مِنْ قَرْيَةِ بُسْرَ شَرْقِيَّ ذرع، وَأَقَامَ بِدِمَشْقَ مُدَّةً يَعْمَلُ صَنْعَةَ الْحَرِيرِ، ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ وَأَقْبَلَ يَعْمَلُ الْفَقِيرِيَّ عَلَى يَدِ الشيخ على المغربل، وَابْتَنَى لَهُ زَاوِيَةً عَلَى الشَّرَفِ الْقِبْلِيِّ، وَبَدَرَتْ مِنْهُ أَفْعَالٌ أَنْكَرَهَا عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ، كَالشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَالشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ ابن الصَّلَاحِ، وَالشَّيْخِ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْحَاجِبِ شَيْخِ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، فَلَمَّا كَانَتِ الدَّوْلَةُ الْأَشْرَفِيَّةُ حُبِسَ فِي قَلْعَةِ عَزَّتَا مُدَّةَ سِنِينَ ثُمَّ أَطْلَقَهُ الصَّالِحُ إِسْمَاعِيلُ وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُقِيمَ بِدِمَشْقَ، فَلَزِمَ بَلَدَهُ بُسْرَ مُدَّةً حَتَّى كَانَتْ وفاته في