بِصِحَّتِهَا، وَالَّذِي يَغْلُبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَيْسَ لِغَالِبِهَا صِحَّةٌ، وَقَدْ كَانَتْ مُلُوكُ بَنِي أَيُّوبَ كَالْمُعَظَّمِ وَالْكَامِلِ يُكْرِمُونَهُ وَإِنْ كَانُوا لَا يُحِبُّونَهُ كَثِيرًا، وَقَدْ فَوَّضَ إِلَيْهِ الْمُعَظَّمُ تَدْرِيسَ الْعَزِيزِيَّةِ، فَلَمَّا وَلِيَ الْأَشْرَفُ دِمَشْقَ عَزَلَهُ عَنْهَا وَنَادَى بِالْمَدَارِسِ أَنْ لَا يَشْتَغِلَ أَحَدٌ بِغَيْرِ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ، وَمَنِ اشْتَغَلَ بِعُلُومِ الْأَوَائِلِ نَفَيْتُهُ، فَأَقَامَ الشَّيْخُ سَيْفُ الدِّينِ بِمَنْزِلِهِ إِلَى أَنْ توفى بدمشق في هذه السنة في صفر، وَدُفِنَ بِتُرْبَتِهِ بِسَفْحِ قَاسِيُونَ. وَذَكَرَ الْقَاضِي ابْنُ خَلِّكَانَ أَنَّهُ اشْتَغَلَ بِبَغْدَادَ عَلَى أَبِي الْفَتْحِ نَصْرِ بْنِ فِتْيَانَ بْنِ الْمَنِّيِّ الْحَنْبَلِيِّ، ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَأَخَذَ عَنِ ابْنِ فضلان وغيره، وحفظ طريقة الخلاف للشريف وَزَوَائِدَ طَرِيقَةِ أَسْعَدَ الْمِيهَنِيِّ، ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى الشَّامِ وَاشْتَغَلَ بِعُلُومِ الْمَعْقُولِ، ثُمَّ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ فَأَعَادَ بِمَدْرَسَةِ الشَّافِعِيَّةِ بِالْقَرَافَةِ الصُّغْرَى، وَتَصَدَّرَ بِالْجَامِعِ الظَّافِرِيِّ، وَاشْتَهَرَ فَضْلُهُ وَانْتَشَرَتْ فَضَائِلُهُ، فَحَسَدَهُ أقوام فسعوا فيه وَكَتَبُوا خُطُوطَهُمْ بِاتِّهَامِهِ بِمَذْهَبِ الْأَوَائِلِ وَالتَّعْطِيلِ وَالِانْحِلَالِ، فَطَلَبُوا مِنْ بَعْضِهِمْ أَنْ يُوَافِقَهُمْ فَكَتَبَ:
حَسَدُوا الْفَتَى إِذْ لَمْ يَنَالُوا سَعْيَهُ ... فَالْقَوْمُ أَعْدَاءٌ له وخصوم
فانتقل سَيْفُ الدِّينِ إِلَى حَمَاةَ ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى دِمَشْقَ فَدَرَّسَ بِالْعَزِيزِيَّةِ، ثُمَّ عُزِلَ عَنْهَا وَلَزِمَ بَيْتَهُ إِلَى أَنْ مَاتَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَلَهُ ثَمَانُونَ عَامًا رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعَفَا عنه.
غُلَامُ فَلَكِ الدِّينِ أَخِي الْمَلِكِ الْعَادِلِ، لأنه وقف الْفَلَكِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَانَ هَذَا الرَّجُلُ مِنْ خِيَارِ الْأُمَرَاءِ، يَنْزِلُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ وَقْتَ السَّحَرِ إِلَى الْجَامِعِ وَحْدَهُ بِطَوَّافَةٍ وَيُوَاظِبُ عَلَى حُضُورِ الصَّلَوَاتِ فِيهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ، وَكَانَ قَلِيلَ الْكَلَامِ كَثِيرَ الصَّدَقَاتِ، وَقَدْ بَنَى الْمَدْرَسَةَ الرُّكْنِيَّةَ بِسَفْحِ قَاسِيُونَ، وَوَقَفَ عَلَيْهَا أَوْقَافًا كَثِيرَةً وَعَمِلَ عندها تربة، وحين توفى بقرية حدود حُمِلَ إِلَيْهَا رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
أبو سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُظَفَّرِ بْنِ غَنَائِمَ الْجِيلِيُّ الشَّافِعِيُّ، أحد فقهاء بغداد والمفتين بها والمشغلين لِلطَّلَبَةِ مُدَّةً طَوِيلَةً، لَهُ كِتَابٌ فِي الْمَذْهَبِ نَحْوٌ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ مُجَلَّدًا، يَحْكِي فِيهِ الْوُجُوهَ الْغَرِيبَةَ وَالْأَقْوَالَ الْمُسْتَغْرَبَةَ وَكَانَ لَطِيفًا ظَرِيفًا، تُوُفِّيَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ ثَالِثَ رَبِيعٍ الأول من هذه السنة ببغداد.
الشَّيْخُ طَيٌّ الْمِصْرِيُّ
أَقَامَ مُدَّةً بِالشَّامِ فِي زاوية له بدمشق، وكان لطيفا كَيِّسًا زَاهِدًا، يَتَرَدَّدُ إِلَيْهِ الْأَكَابِرُ وَدُفِنَ بِزَاوِيَتِهِ الْمَذْكُورَةِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
أَحَدُ الْعُبَّادِ الزُّهَّادِ الَّذِينَ جَابُوا الْبِلَادَ وَسَكَنُوا الْبَرَارِيَّ وَالْجِبَالَ وَالْوِهَادَ، وَاجْتَمَعُوا بِالْأَقْطَابِ