بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ 5: 110- 111 يُذَكِّرُهُ تَعَالَى بِنِعْمَتِهِ عَلَيْهِ وَإِحْسَانِهِ إِلَيْهِ فِي خَلْقِهِ إِيَّاهُ مِنْ غَيْرِ أَبٍ بَلْ مِنْ أُمٍّ بِلَا ذَكَرٍ وَجَعْلِهِ لَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَدَلَالَةً عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِهِ تَعَالَى ثُمَّ إِرْسَالِهِ بعد هذا كله (وَعَلى والِدَتِكَ) 5: 110 فِي اصْطِفَائِهَا وَاخْتِيَارِهَا لِهَذِهِ النِّعْمَةِ الْعَظِيمَةِ وَإِقَامَةِ الْبُرْهَانِ عَلَى بَرَاءَتِهَا مِمَّا نَسَبَهَا إِلَيْهِ الْجَاهِلُونَ ولهذا قال (إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ) 5: 110 وَهُوَ جِبْرِيلُ بِإِلْقَاءِ رُوحِهِ إِلَى أُمِّهِ وَقَرْنِهِ مَعَهُ فِي حَالِ رِسَالَتِهِ وَمُدَافَعَتِهِ عَنْهُ لِمَنْ كَفَرَ بِهِ (تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا) 5: 110 أَيْ تَدْعُو النَّاسَ إِلَى اللَّهِ فِي حَالِ صِغَرِكَ فِي مَهْدِكَ وَفِي كُهُولَتِكَ وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ 5: 110 أَيِ الْخَطَّ وَالْفَهْمَ نَصَّ عَلَيْهِ بَعْضُ السَّلَفِ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ 5: 110 وَقَوْلُهُ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي 5: 110 أَيْ تُصَوِّرُهُ وَتُشَكِّلُهُ مِنَ الطِّينِ عَلَى هَيْئَتِهِ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ لَهُ بِذَلِكَ فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي 5: 110 أي بأمري يؤكد تعال بِذِكْرِ الْإِذْنِ لَهُ فِي ذَلِكَ لِرَفْعِ التَّوَهُّمِ وقوله وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ 5: 110 قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ وَهُوَ الَّذِي يُولَدُ أَعْمَى وَلَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ مِنَ الْحُكَمَاءِ إِلَى مُدَاوَاتِهِ وَالْأَبْرَصَ 5: 110 هو الَّذِي لَا طِبَّ فِيهِ بَلْ قَدْ مَرِضَ بِالْبَرَصِ وَصَارَ دَاؤُهُ عُضَالًا وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى 5: 110 أَيْ مِنْ قُبُورِهِمْ أَحْيَاءً بِإِذْنِي وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى وُقُوعِ ذَلِكَ مِرَارًا مُتَعَدِّدَةً مِمَّا فِيهِ كِفَايَةٌ. وَقَوْلُهُ وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ 5: 110 وَذَلِكَ حِينَ أَرَادُوا صَلْبَهُ فَرَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَأَنْقَذَهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ صِيَانَةً لِجَنَابِهِ الْكَرِيمِ عَنِ الْأَذَى وَسَلَامَةً لَهُ مِنَ الرَّدَى وَقَوْلُهُ وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ 5: 111 قِيلَ الْمُرَادُ بِهَذَا الْوَحْيِ وَحْيُ إِلْهَامٍ أَيْ أَرْشَدَهُمُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَدَلَّهُمْ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ 16: 68 وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ في الْيَمِّ 28: 7 وَقِيلَ الْمُرَادُ وَحْيٌ بِوَاسِطَةِ الرَّسُولِ وَتَوْفِيقٌ فِي قُلُوبِهِمْ لِقَبُولِ الْحَقِّ وَلِهَذَا اسْتَجَابُوا قَائِلِينَ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ 5: 111 وَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ نِعَمِ اللَّهِ عَلَى عَبْدِهِ ورسوله عيسى بن مَرْيَمَ أَنْ جَعْلَ لَهُ أَنْصَارًا وَأَعْوَانًا يَنْصُرُونَهُ وَيَدْعُونَ مَعَهُ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى لِعَبْدِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ 8: 62- 63 وقال تعالى وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَرَسُولًا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي