وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ
ابن مُحَمَّدِ بْنِ حَمَّوَيْهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجُوَيْنِيُّ، رَوَى الْحَدِيثَ وَكَانَ صَدُوقًا مَشْهُورًا بِالْعِلْمِ وَالزُّهْدِ، وَلَهُ كَرَامَاتٌ، دَخَلَ إِلَى بَغْدَادَ فَلَمَّا وَدَّعَهُمْ بالخروج منها أَنْشَدَهُمْ:
لَئِنْ كَانَ لِي مِنْ بَعْدُ عَوْدٌ إليكم ... نصيب لبانات الفؤاد إليكم
وإن تكن الأخرى وفي الغيب غيره ... قضاه وإلا فالسلام عليكم
ابن أَحْمَدَ بْنِ حَبِيبٍ، أَبُو بَكْرٍ الْعَامِرِيُّ، الْمَعْرُوفُ بابن الخباز، سمع الحديث وَكَانَ يَعِظُ النَّاسَ عَلَى طَرِيقِ التَّصَوُّفِ، وَكَانَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِيمَنْ تَأَدَّبَ بِهِ، وَقَدْ أَثْنَى عليه وأنشد عنه من شِعْرِهِ:
كَيْفَ احْتِيَالِي وَهَذَا فِي الْهَوَى حَالِي ... وَالشَّوْقُ أَمْلَكُ لِي مِنْ عَذْلِ عُذَّالِي
وَكَيْفَ أشكو وَفِي حُبِّي لَهُ شُغُلٌ ... يَحُولُ بَيْنَ مُهِمَّاتِي وأشغالى
وَكَانَتْ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ، وَقَدْ شَرَحَ كتاب الشهاب، وقد ابتنى رباطا، وكان عنده فيه جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُتَعَبِّدِينَ وَالزُّهَّادِ، وَلَمَّا احْتَضَرَ أَوْصَاهُمْ بتقوى الله عز وجل والإخلاص للَّه والدين، فلما فرغ شَرَعَ فِي النَّزْعِ وَعَرَقَ جَبِينُهُ فَمَدَّ يَدَهُ وقال بيتا لغيره:
هَا قَدْ بَسَطْتُ يَدِي إِلَيْكَ فَرُدَّهَا ... بِالْفَضْلِ لَا بِشَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ
ثُمَّ قَالَ: أَرَى الْمَشَايِخَ بَيْنَ أَيْدِيهِمُ الْأَطْبَاقُ وَهُمْ يَنْتَظِرُونَنِي، ثُمَّ مَاتَ، وَذَلِكَ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ نِصْفَ رَمَضَانَ وَدُفِنَ بِرِبَاطِهِ، ثم غرق رباطه وقبره في سنة أربعين وخمسمائة،
ابن أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْعَبَّاسِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصَّاعِدِيُّ الْفُرَاوِيُّ، كَانَ أَبُوهُ مِنْ ثَغْرِ فُرَاوَةَ، وَسَكَنَ نَيْسَابُورَ، فَوُلِدَ لَهُ بِهَا مُحَمَّدٌ هَذَا، وَقَدْ سَمِعَ الْحَدِيثَ الْكَثِيرَ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنَ الْمَشَايِخِ بِالْآفَاقِ، وَتَفَقَّهَ وَأَفْتَى وَنَاظَرَ وَوَعَظَ، وَكَانَ ظَرِيفًا حَسَنَ الْوَجْهِ جَمِيلَ الْمُعَاشَرَةِ كَثِيرَ التَّبَسُّمِ، وَأَمْلَى أَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ مَجْلِسٍ، ورحل إليه الطلبة من الآفاق حتى يقال للفراوى ألف راوي، وَقِيلَ إِنَّ ذَلِكَ كَانَ مَكْتُوبًا فِي خَاتَمِهِ، وَقَدْ أَسْمَعَ صَحِيحَ مُسْلِمٍ قَرِيبًا مِنْ عِشْرِينَ مرة، توفى في شوال منها عن تسعين سنة.
فِيهَا كَثُرَ مَوْتُ الْفَجْأَةِ بِأَصْبَهَانَ فَمَاتَ أُلُوفٌ مِنَ النَّاسِ، وَأُغْلِقَتْ دُورٌ كَثِيرَةٌ. وَفِيهَا تَزَوَّجَ الخليفة بالخاتون فاطمة بنت محمد بن ملك شاه عَلَى صَدَاقِ مِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ، فَحَضَرَ أَخُوهَا السُّلْطَانُ مَسْعُودٌ الْعَقْدَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَعْيَانِ الدَّوْلَةِ وَالْوُزَرَاءُ وَالْأُمَرَاءُ، وَنُثِرَ عَلَى النَّاسِ أَنْوَاعُ النِّثَارِ. وَفِيهَا صَامَ أَهْلُ بَغْدَادَ رَمَضَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَمْ يَرَوُا الْهِلَالَ لَيْلَةَ إِحْدَى وَثَلَاثِينَ، مَعَ كَوْنِ السَّمَاءِ كَانَتْ مُصْحِيَةً.