وكان يكسو في كل سنة قريبا من ألف فقير ثيابا وجبابا، وكذلك كان يكسو الأرامل وغيرهن من النساء، وكان يجهز البنات الأيتام وبنات الفقراء، وَأَسْقَطَ شَيْئًا كَثِيرًا مِنَ الْمُكُوسِ وَالْوَظَائِفِ السُّلْطَانِيَّةِ عن بلاد نيسابور، وقرأها وهو مع ذلك في غاية التبذل والثياب والأطمار، وترك الشهوات ولم يزل كذلك إلى أن توفى في هذه السنة، في بلدة مروالروز، تغمده الله برحمته، ورفع درجته، ولا خيب الله له سعيا.
أبو على الْجَعْفَرِيُّ فَقِيهُ الشِّيعَةِ فِي زَمَانِهِ
أَبُو عَلِيٍّ مَوْلَى أَبِي تَمَّامٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ الزينبي، سمع الحديث، وكان أديبا شاعرا، وَكَانَ يُنْسَبُ إِلَى الِاعْتِزَالِ وَالرَّفْضِ، وَمِنْ شِعْرِهِ قَوْلُهُ:
حَمَلْتُ الْعَصَا لَا الضَّعْفُ أَوْجَبَ حَمْلَهَا ... على ولا أنى نحلت من الكبر
ولكنني ألزمت نفسي حملها ... لأعلمها أن المقيم على سفر
صاحب التصانيف المليحة الهائلة، منها التمهيد، والاستذكار، والاستيعاب، وغير ذلك.
الشَّاعِرُ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ غَالِبِ بْنِ زَيْدُونَ أَبُو الْوَلِيدِ، الشَّاعِرُ الْمَاهِرُ الْأَنْدَلُسِيُّ الْقُرْطُبِيُّ، اتَّصَلَ بِالْأَمِيرِ المعتمد بن عباد، صاحب إشبيلية، فحظي عنده وصار مشاورا في منزلة الوزير، ثم وزر له ولولده أبى بَكْرِ بْنُ أَبِي الْوَلِيدِ، وَهُوَ صَاحِبُ الْقَصِيدَةِ الفراقية الَّتِي يَقُولُ فِيهَا:
بِنْتُمْ وَبِنَّا فَمَا ابْتَلَّتْ جوانحنا ... شوقا إليكم ولا جفت مآقينا
تكاد حين تناجيكم ضمائرنا ... يقضى عليها الْأَسَى لَوْلَا تَأَسِّينَا
حَالَتْ لِبُعْدِكُمُ أَيَّامُنَا فَغَدَتْ ... سُودًا وَكَانَتْ بِكُمْ بِيضًا لَيَالِينَا
بِالْأَمْسِ كُنَّا ولا نخشى تَفَرُّقُنَا ... وَالْيَوْمَ نَحْنُ وَلَا يُرْجَى تَلَاقِينَا
وَهِيَ طَوِيلَةٌ وَفِيهَا صَنْعَةٌ قَوِيَّةٌ مُهَيِّجَةٌ عَلَى الْبُكَاءِ لِكُلِّ مَنْ قَرَأَهَا أَوْ سَمِعَهَا، لِأَنَّهُ مَا من أحد إلا فارق خلا أو حبيبا أو نسيبا، وله أيضا:
بَيْنِي وَبَيْنَكَ مَا لَوْ شِئْتَ لَمْ يَضِعِ ... سِرٌّ إِذَا ذَاعَتِ الْأَسْرَارُ لَمْ يَذِعِ
يَا بَائِعًا حَظَّهُ مِنِّي وَلَوْ بُذِلَتْ ... لِيَ الْحَيَاةُ بحظى منه لم أبع
يكفيك أنك لو حَمَّلْتَ قَلْبِي مَا ... لَا تَسْتَطِيعُ قُلُوبُ النَّاسِ يستطع
ته احتمل واستطل أصبر وعزهن ... وول أقبل وقل أسمع ومر أطمع