الْعُلْوِيُّ أَمِيرُ مَكَّةَ، وَادَّعَى أَنَّهُ خَلِيفَةٌ، وَسَمَّى نَفْسَهُ الرَّاشِدَ باللَّه، فَمَالَأَهُ أَهْلُ مَكَّةَ وَحَصَلَ لَهُ أَمْوَالٌ مِنْ رَجُلٍ أَوْصَى لَهُ بِهَا، فانتظم أمره بها، وَتَقَلَّدَ سَيْفًا وَزَعَمَ أَنَّهُ ذُو الْفَقَارِ، وَأَخَذَ بيده قَضِيبًا زَعَمَ أَنَّهُ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَصَدَ بِلَادَ الرَّمْلَةِ لِيَسْتَعِينَ بِعَرَبِ الشَّامِ، فَتَلَقَّوْهُ بِالرَّحْبِ وَقَبَّلُوا لَهُ الْأَرْضَ، وَسَلَّمُوا عَلَيْهِ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَظْهَرَ الْأَمَرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَإِقَامَةَ الْحُدُودِ. ثُمَّ إِنَّ الْحَاكِمَ صَاحِبَ مِصْرَ- وَكَانَ قَدْ قَامَ بِالْأَمْرِ مِنْ بَعْدِ أَبِيهِ الْعَزِيزِ فِي هَذِهِ السنة- بعث إلى عرب الشام بملطفات وَوَعَدَهُمْ مِنَ الذَّهَبِ بِأُلُوفٍ وَمِئَاتٍ، وَكَذَلِكَ إِلَى عَرَبِ الْحِجَازِ، وَاسْتَنَابَ عَلَى مَكَّةَ أَمِيرًا وَبَعَثَ إليه بخمسين أَلْفَ دِينَارٍ، فَانْتَظَمَ أَمْرُ الْحَاكِمِ وَتَمَزَّقَ أَمْرُ الراشد، وانسحب إِلَى بِلَادِهِ كَمَا بَدَأَ مِنْهَا، وَعَادَ إِلَيْهَا كما خرج عَنْهَا، وَاضْمَحَلَّ حَالُهُ وَانْتَقَضَتْ حِبَالُهُ، وَتَفَرَّقَ عَنْهُ رجاله.
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ
أبو بكر المقري، توفى فِي شَوَّالٍ مِنْهَا عَنْ سِتٍّ وَثَمَانِينَ سَنَةً، وَاتَّفَقَ لَهُ أَنَّهُ مَاتَ فِي يَوْمِ وَفَاتِهِ أَبُو الْحَسَنِ الْعَامِرِيُّ الْفَيْلَسُوفُ، فَرَأَى بَعْضُ الصَّالِحِينَ أحمد بن الحسين بن مهران هذا فِي الْمَنَامِ فَقِيلَ لَهُ: مَا فَعَلَ اللَّهُ بِكَ؟ فَقَالَ: أقام أبا الحسن العامري بجانبي، وقال هذا فداؤك من النار.
أَبُو مُحَمَّدٍ قاضى قضاة بَغْدَادَ، رَوَى عَنِ ابْنِ صَاعِدٍ وَعَنْهُ الْخَّلَالُ والأزهري وغيرهما، وكان من العلماء الثقات العقلاء الفطناء، حسن الشكل جميل اللبس، عفيفا من الأموال، تُوُفِّيَ عَنْ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً، وَصَلَّى عَلَيْهِ أَبُو أَحْمَدَ الْمُوسَوِيُّ، فَكَبَّرَ عَلَيْهِ خَمْسًا، ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهِ ابْنُهُ بِجَامِعِ الْمَنْصُورِ فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أربعا، ثم دفن في داره سامحه الله.
الْقَائِدُ بَانِي الْقَاهِرَةِ، أصله أرمنى ويعرف بالكاتب، أخذ مصر بعد موت كافور الإخشيدي، أرسله مولاه العزيز الفاطمي إليها فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، فوصل إليها فِي شَعْبَانَ مِنْهَا فِي مِائَةِ أَلْفِ مُقَاتِلٍ، ومائتي صندوق لينفقه في عمارة القاهرة، فبرزوا لِقِتَالِهِ فَكَسَرَهُمْ وَجَدَّدَ الْأَمَانَ لِأَهْلِهَا، وَدَخَلَهَا يَوْمَ الثُّلَاثَاءَ لِثَمَانِ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ شَعْبَانَ، فَشَقَّ مِصْرَ وَنَزَلَ فِي مَكَانِ الْقَاهِرَةِ الْيَوْمَ، وَأَسَّسَ مِنْ لَيْلَتِهِ الْقَصْرَيْنِ وَخَطَبَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الْآتِيَةِ لمولاه، وقطع خطبة بنى العباس، وذكر في خطبته الأئمة الاثني عشر، وأمر فأذن بِحَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ، وَكَانَ يُظْهِرُ الْإِحْسَانَ إِلَى النَّاسِ، وَيَجْلِسُ كُلَّ يَوْمِ سَبْتٍ مَعَ الوزير ابن الْفُرَاتِ وَالْقَاضِي، وَاجْتَهَدَ فِي تَكْمِيلِ الْقَاهِرَةِ وَفَرَغَ من جامعها الأزهر سَرِيعًا، وَخَطَبَ بِهِ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَسِتِّينَ، وهو الّذي يقال له الجامع الْأَزْهَرِ، ثُمَّ أَرْسَلَ جَعْفَرَ بْنَ فَلَاحٍ إِلَى الشام فأخذها، ثم قدم مولاه المعز في سنة اثنتين وَسِتِّينَ كَمَا تَقَدَّمَ، فَنَزَلَ بِالْقَصْرَيْنِ