رَهْنًا عَلَى ذَلِكَ. وَفِيهَا فِي صَفَرٍ قُتِلَ زَيْدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ بْنِ أبى طالب، الّذي تنسب إِلَيْهِ الطَّائِفَةُ الزَّيْدِيَّةُ، فِي قَوْلِ الْوَاقِدِيِّ، وَقَالَ هشام الْكَلْبِيِّ: إِنَّمَا قُتِلَ فِي صَفَرٍ مِنْ سَنَةِ ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ فاللَّه أَعْلَمُ. وَقَدْ سَاقَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ سَبَبَ مَقْتَلِهِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ تبعا للواقدي، وهو أن زيدا هذا وفد عَلَى يُوسُفَ بْنِ عُمَرَ فَسَأَلَهُ هَلْ أَوْدَعَ خَالِدٌ الْقَسْرِيُّ عِنْدَكَ مَالًا؟ فَقَالَ لَهُ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ: كَيْفَ يُودِعُنِي مَالًا وَهُوَ يَشْتُمُ آبَائِي عَلَى مِنْبَرِهِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ؟ فَأَحْلَفَهُ أَنَّهُ مَا أَوْدَعَ عِنْدَهُ شَيْئًا، فَأَمَرَ يُوسُفُ بن عمر بإحضار خالد مِنَ السِّجْنِ فَجِيءَ بِهِ فِي عَبَاءَةٍ، فَقَالَ: أَنْتَ أَوْدَعْتَ هَذَا شَيْئًا نَسْتَخْلِصُهُ مِنْهُ؟
قَالَ: لا، وكيف وأنا أشتم أباه كل جمعة؟ فتركه عُمَرَ وَأَعْلَمَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِذَلِكَ فَعَفَا عَنْ ذَلِكَ، وَيُقَالُ بَلِ اسْتَحْضَرَهُمْ فَحَلَفُوا بِمَا حَلَفُوا. ثُمَّ إِنَّ طَائِفَةً مِنَ الشِّيعَةِ الْتَفَّتْ عَلَى زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ، وَكَانُوا نَحْوًا مِنْ أَرْبَعِينَ أَلْفًا، فَنَهَاهُ بَعْضُ النُّصَحَاءِ عَنِ الْخُرُوجِ، وَهُوَ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَقَالَ لَهُ:
إِنَّ جَدَّكَ خَيْرٌ مِنْكَ، وَقَدِ الْتَفَّتْ عَلَى بَيْعَتِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ ثَمَانُونَ أَلْفًا، ثُمَّ خَانُوهُ أَحْوَجَ مَا كَانَ إِلَيْهِمْ، وَإِنِّي أُحَذِّرُكَ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ. فَلَمْ يَقْبَلْ بَلِ اسْتَمَرَّ يُبَايِعُ النَّاسَ فِي الْبَاطِنِ في الكوفة، عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ حَتَّى اسْتَفْحَلَ أَمْرُهُ بِهَا فِي الْبَاطِنِ، وَهُوَ يَتَحَوَّلُ مِنْ مَنْزِلٍ إِلَى مَنْزِلٍ، وَمَا زَالَ كَذَلِكَ حَتَّى دَخَلَتْ سَنَةُ ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَكَانَ فِيهَا مَقْتَلُهُ كَمَا سَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا. وَفِيهَا غَزَا نَصْرُ بْنُ سَيَّارٍ أَمِيرُ خُرَاسَانَ غَزَوَاتٍ مُتَعَدِّدَةً فِي الترك، وأسر ملكهم كور صول فِي بَعْضِ تِلْكَ الْحُرُوبِ وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ، فَلَمَّا تَيَقَّنَهُ وَتَحَقَّقَهُ، سَأَلَ مِنْهُ كُورْصُولُ أَنْ يُطْلِقَهُ عَلَى أَنْ يُرْسِلَ لَهُ أَلْفَ بَعِيرٍ مِنْ إِبِلِ التُّرْكِ- وَهِيَ الْبَخَاتِيُّ- وَأَلْفَ بِرْذَوْنٍ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ شَيْخٌ كَبِيرٌ جِدًّا، فَشَاوَرَ نَصْرٌ مَنْ بِحَضْرَتِهِ مِنَ الْأُمَرَاءِ فِي ذَلِكَ، فمنهم من أشار بإطلاقه، ومنهم من أشار بقتله. ثُمَّ سَأَلَهُ نَصْرُ بْنُ سَيَّارٍ كَمْ غَزَوْتَ مِنْ غَزْوَةٍ؟ فَقَالَ: ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ غَزْوَةً، فَقَالَ لَهُ نَصْرٌ: مَا مِثْلُكَ يُطْلَقُ، وَقَدْ شَهِدْتَ هَذَا كُلَّهُ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ وَصَلَبَهُ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ جَيْشَهُ مِنْ قَتْلِهِ بَاتُوا تِلْكَ اللَّيْلَةَ يَجْعَرُونَ وَيَبْكُونَ عَلَيْهِ، وَجَذُّوا لِحَاهُمْ وَشُعُورَهُمْ وَقَطَّعُوا آذَانَهُمْ وَحَرَّقُوا خِيَامًا كَثِيرَةً، وَقَتَلُوا أَنْعَامًا كَثِيرَةً، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَمَرَ نَصْرٌ بإحراقه لئلا يأخذوا جثته، فكان حريقه أَشُدَّ عَلَيْهِمْ مِنْ قَتْلِهِ، وَانْصَرَفُوا خَائِبِينَ صَاغِرِينَ خاسرين، ثُمَّ كَرَّ نَصْرٌ عَلَى بِلَادِهِمْ فَقَتَلَ مِنْهُمْ خلقا وَأَسَرَ أُمَمًا لَا يُحْصَوْنَ كَثْرَةً، وَكَانَ فِيمَنْ حَضَرَ بَيْنَ يَدَيْهِ عَجُوزٌ كَبِيرَةٌ جِدًّا مِنَ الْأَعَاجِمِ أَوِ الْأَتْرَاكِ، وَهِيَ مِنْ بَيْتِ مَمْلَكَةٍ، فَقَالَتْ لِنَصْرِ بْنِ سَيَّارٍ: كُلُّ مَلِكٍ لَا يكون عنده ستة أشياء فهو ليس بِمَلِكٍ، وَزِيرٌ صَادِقٌ يَفْصِلُ خُصُومَاتِ النَّاسِ وَيُشَاوِرُهُ وَيُنَاصِحُهُ، وَطَبَّاخٌ يَصْنَعُ لَهُ مَا يَشْتَهِيهِ، وَزَوْجَةٌ حَسْنَاءُ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا مُغْتَمًّا فَنَظَرَ إِلَيْهَا سُرَّتْهُ وَذَهَبَ غَمُّهُ، وَحِصْنٌ مَنِيعٌ إِذَا فَزِعَ رعاياه لجئوا إليه فيه، وَسَيْفٌ إِذَا قَارَعَ بِهِ الْأَقْرَانَ لَمْ يَخْشَ خيانته، وذخيرة إذا حملها فأين ما وَقَعَ مِنَ الْأَرْضِ عَاشَ بِهَا.