ساعة ثم إنها بعد قالت ... ويلنا قَدْ عَجِلْتَ يَا ابْنَ الْكِرَامِ
أَعَلَى غَيْرِ مَوْعِدٍ جِئْتَ تُسْرِي ... تَتَخَطَّى إِلَى رُءُوسِ النِّيَامِ
ما تجشمت ما تريد من الأمر ... ولا حيت طَارِقًا لِخِصَامِ
فَلَوْ كَانَ عَدُوُّ اللَّهِ إِذْ فَجَرَ كَتَمَ وَسَتَرَ عَلَى نَفْسِهِ، لَا يَدْخُلُ وَاللَّهِ أَبَدًا، فَمَنْ بِالْبَابِ سِوَاهُ؟ قَالَ:
هَمَّامُ بن غالب- يعنى الفرزدق- فقال عمر: أو ليس هو الّذي يقول في شعره:
هما دليانى مِنْ ثَمَانِينَ قَامَةً ... كَمَا انْقَضَّ بَازٍ أَقْتَمُ الرِّيشِ كَاسِرُهْ
فَلَمَّا اسْتَوَتْ رِجْلَايَ بِالْأَرْضِ قَالَتَا ... أَحَيٌّ يُرَجَّى أَمْ قَتِيلٌ نُحَاذِرُهْ
لَا يَطَأُ وَاللَّهِ بِسَاطِي وَهُوَ كَاذِبٌ، فَمَنْ سِوَاهُ بِالْبَابِ؟ قال: الأخطل، قال: أو ليس هُوَ الَّذِي يَقُولُ:
وَلَسْتُ بِصَائِمٍ رَمَضَانَ طَوْعًا ... ولست بآكل لحم الأضاحي
ولست بزاجر عيسا بكور ... إِلَى بَطْحَاءِ مَكَّةَ لِلنَّجَاحِ
وَلَسْتُ بِزَائِرٍ بَيْتًا بَعِيدًا ... بِمَكَّةَ أَبْتَغِي فِيهِ صَلَاحِي
وَلَسْتُ بِقَائِمٍ كَالْعَيْرِ أَدْعُو ... قُبَيْلَ الصُّبْحِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ
وَلَكِنِّي سَأَشْرَبُهَا شَمُولًا ... وَأَسْجُدُ عِنْدَ مُنْبَلَجِ الصَّبَاحِ
وَاللَّهِ لَا يَدْخُلُ عَلَيَّ وَهُوَ كَافِرٌ أَبَدًا، فَهَلْ بِالْبَابِ سِوَى مَنْ ذَكَرْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ الْأَحْوَصُ، قَالَ:
أَلَيْسَ هُوَ الَّذِي يَقُولُ:
اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَ سَيِّدِهَا ... يَفِرُّ مِنِّي بِهَا وَأَتْبَعُهُ
فَمَا هُوَ دُونَ مَنْ ذَكَرْتَ، فَمَنْ هَاهُنَا غَيْرُهُ؟ قَالَ جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرٍ، قَالَ: الَّذِي يَقُولُ: -
أَلَا لَيْتَنَا نَحْيَا جَمِيعًا وَإِنْ نَمُتْ ... يوافق في الموتى خريجى خريجها
فَمَا أَنَا فِي طُولِ الْحَيَاةِ بِرَاغِبٍ ... إِذَا قِيلَ قَدْ سُوِّيَ عَلَيْهَا صَفِيحُهَا
فَلَوْ كَانَ عَدُوُّ اللَّهِ تَمَنَّى لِقَاءَهَا فِي الدُّنْيَا لِيَعْمَلَ بذلك صالحا ويتوب، وَاللَّهِ لَا يُدْخِلُ عَلَيَّ أَبَدًا، فَهَلْ بِالْبَابِ أحد سوى ذلك؟ قلت: جَرِيرٌ، قَالَ أَمَا إِنَّهُ الَّذِي يَقُولُ:
طَرَقَتْكَ صَائِدَةُ الْقُلُوبِ وَلَيْسَ ذَا ... حِينَ الزِّيَارَةِ فَارْجِعِي بِسَلَامِ
فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَأْذَنْ لِجَرِيرٍ، فأذن له فدخل على عمر وَهُوَ يَقُولُ:
إِنَّ الَّذِي بَعَثَ النَّبِيَّ مُحَمَّدًا ... جَعَلَ الْخِلَافَةَ لِلْإِمَامِ الْعَادِلِ
وَسِعَ الْخَلَائِقَ عَدْلُهُ وَوَفَاؤُهُ ... حَتَّى ارْعَوى وَأَقَامَ مَيْلَ الْمَائِلِ
إِنِّي لَأَرْجُوَ مِنْكَ خَيْرًا عَاجِلًا ... وَالنَّفْسُ مُولَعَةٌ بِحُبِّ العاجل
فقال له: وَيْحَكَ يَا جَرِيرُ، اتَّقِ اللَّهَ فِيمَا تَقُولُ، ثُمَّ إِنَّ جَرِيرًا اسْتَأْذَنَ عُمَرَ فِي الْإِنْشَادِ فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ وَلَمْ