كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَدِيَّةً، فَأَمَّا نَحْنُ فَهِيَ لَنَا رِشْوَةٌ. قَالُوا: وَكَانَ يُوَسِّعُ عَلَى عُمَّالِهِ فِي النَّفَقَةِ، يُعْطِي الرَّجُلَ مِنْهُمْ فِي الشَّهْرِ مِائَةَ دِينَارٍ، وَمِائَتَيْ دِينَارٍ، وَكَانَ يَتَأَوَّلُ أَنَّهُمْ إِذَا كَانُوا فِي كِفَايَةٍ تَفَرَّغُوا لِأَشْغَالِ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالُوا لَهُ: لَوْ أَنْفَقْتَ عَلَى عِيَالِكَ كَمَا تُنْفِقُ عَلَى عُمَّالِكَ؟ فَقَالَ: لَا أَمْنَعُهُمْ حَقًّا لَهُمْ، وَلَا أُعْطِيهِمْ حَقَّ غَيْرِهِمْ. وَكَانَ أَهْلُهُ قَدْ بَقُوا فِي جَهْدٍ عَظِيمٍ فَاعْتَذَرَ بِأَنَّ مَعَهُمْ سَلَفًا كَثِيرًا مِنْ قَبْلِ ذَلِكَ، وَقَالَ يَوْمًا لِرَجُلٍ مِنْ وَلَدِ عَلِيٍّ: إِنِّي لَأَسْتَحِي مِنَ اللَّهِ أَنْ تَقِفَ بِبَابِي وَلَا يُؤْذَنُ لَكَ، وَقَالَ لِآخَرَ مِنْهُمْ:

إِنِّي لَأَسْتَحِي مِنَ اللَّهِ وَأَرْغَبُ بِكَ أَنْ أُدَنِّسَكَ بِالدُّنْيَا لِمَا أَكْرَمَكُمُ اللَّهُ بِهِ. وَقَالَ أَيْضًا: كُنَّا نَحْنُ وَبَنُو عَمِّنَا بَنُو هَاشِمٍ مَرَّةً لَنَا وَمَرَّةً عَلَيْنَا، نَلْجَأُ إِلَيْهِمْ وَيَلْجَئُونَ إِلَيْنَا، حَتَّى طَلَعَتْ شَمْسُ الرِّسَالَةِ فَأَكْسَدَتْ كُلَّ نَافِقٍ، وَأَخْرَسَتْ كُلَّ مُنَافِقٍ، وَأَسْكَتَتْ كُلَّ نَاطِقٍ.

وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ مَرْوَانَ: ثَنَا أَبُو بكر ابن أخى خَطَّابٍ ثَنَا خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ ثَنَا حَمَّادُ بن زيد عن موسى بن أيمن الراعي- وكان يرعى الغنم لمحمد بن عيينة- قال: كانت الأسد والغنم وَالْوَحْشُ تَرْعَى فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العزيز في موضع واحد، فعرض ذات يوم لِشَاةٍ مِنْهَا ذِئْبٌ فَقُلْتُ: إِنَّا للَّه، مَا أَرَى الرَّجُلَ الصَّالِحَ إِلَّا قَدْ هَلَكَ. قَالَ فَحَسَبْنَاهُ فَوَجَدْنَاهُ قَدْ هَلَكَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ. وَرَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ حَمَّادٍ فَقَالَ: كَانَ يَرْعَى الشَّاةَ بِكَرْمَانَ فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَمِنْ دُعَائِهِ: اللَّهمّ إِنْ رِجَالًا أَطَاعُوكَ فِيمَا أَمَرْتَهُمْ وَانْتَهَوْا عَمَّا نَهَيْتَهُمْ، اللَّهمّ وَإِنَّ تَوْفِيقَكَ إِيَّاهُمْ كَانَ قَبْلَ طَاعَتِهِمْ إِيَّاكَ، فَوَفِّقْنِي.

وَمِنْهُ: اللَّهُمَّ إِنَّ عُمَرَ لَيْسَ بِأَهْلٍ أَنْ تَنَالَهُ رَحْمَتُكَ، وَلَكِنَّ رَحْمَتَكَ أَهْلٌ أَنْ تَنَالَ عُمَرَ. وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ:

أَبْقَاكَ اللَّهُ مَا كَانَ الْبَقَاءُ خَيْرًا لَكَ، فَقَالَ: هَذَا شَيْءٌ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ، وَلَكِنْ قُلْ: أَحْيَاكَ اللَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً، وَتَوَفَّاكَ مَعَ الْأَبْرَارِ. وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ: أَصْبَحْتُ بَطِيئًا بَطِينًا، مُتَلَوِّثًا بِالْخَطَايَا، أَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ [1] فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ كَانَتِ الْخِلَافَةُ لَهُمْ زَيْنٌ، وَأَنْتَ زَيْنُ الْخِلَافَةِ، وَإِنَّمَا مَثَلُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ [2]

وَإِذَا الدُّرُّ زَانَ حُسْنَ وُجُوهٍ ... كَانَ لِلدُّرِّ حُسْنُ وَجْهِكَ زَيْنَا

قَالَ: فَأَعْرَضَ عَنْهُ عُمَرُ. وَقَالَ رَجَاءُ بْنُ حَيْوَةَ: سَمَرْتُ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ذَاتَ لَيْلَةٍ فعشى السراج فقلت: يا أمير المؤمنين: أَلَا أُنَبِّهُ هَذَا الْغُلَامَ يُصْلِحُهُ؟ فَقَالَ: لَا! دعه ينام، لا أحب أن أجمع عليه عملين. فَقُلْتُ: أَفَلَا أَقُومُ أُصْلِحُهُ؟ فَقَالَ: لَا! لَيْسَ من المروءة استخدام الضيف، ثُمَّ قَامَ بِنَفْسِهِ فَأَصْلَحَهُ وَصَبَّ فِيهِ زَيْتًا ثُمَّ جَاءَ وَقَالَ: قُمْتُ وَأَنَا عُمَرُ بْنُ عبد العزيز، وجلست وأنا عمر ابن عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَقَالَ: أَكْثِرُوا ذِكْرَ النِّعَمِ فَإِنَّ ذِكْرَهَا شُكْرُهَا. وَقَالَ: إِنَّهُ لَيَمْنَعُنِي مِنْ كَثْرَةِ ذكرها مَخَافَةَ الْمُبَاهَاةِ، وَبَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ تُوُفِّيَ، فَجَاءَ إِلَى أَهْلِهِ لِيُعَزِّيَهُمْ فِيهِ، فَصَرَخُوا في وجهه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015