وَأَنْتَ عَنِّي رَاضٍ، ثُمَّ يَذْهَبُ فِي الدُّعَاءِ، ثُمَّ يَقُولُ: مَتَى أَلْقَاكَ وَأَنْتَ عَنِّي رَاضٍ، وَكَانَ إِذَا كَانَ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ كَأَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ تَرْجَمَتُهُ
كَانَ وَالِيَ إِفْرِيقِيَّةَ وَبِلَادِ الْمَغْرِبِ، وَبِإِفْرِيقِيَّةَ تُوَفِّيَ غَازِيًا، وَلَهُ رِوَايَاتٌ كَثِيرَةٌ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصحابة.
ابن الضَّحَّاكِ الْأَنْصَارِيُّ الْمَدَنِيُّ الْفَقِيهُ، كَانَ يُفْتِي بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَ مِنْ فُقَهَائِهَا الْمَعْدُودِينَ، كَانَ عَالِمًا بِالْفَرَائِضِ وَتَقْسِيمِ الْمَوَارِيثِ، وَهُوَ أَحَدُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ الَّذِينَ مَدَارُ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمْ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَفْصٍ أَنْبَأَ وَرْقَاءُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ نُعَيْمِ بْنِ دَجَاجَةَ قَالَ: دَخَلَ ابن مَسْعُودٍ عَلَى عَلِيٍّ فَقَالَ: أَنْتَ الْقَائِلُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَأْتِي عَلَى النَّاسِ مِائَةُ عَامٍ وَعَلَى الْأَرْضِ نَفْسٌ مَنْفُوسَةٌ» ؟ إِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَأْتِي عَلَى النَّاسِ مِائَةُ عَامٍ وَعَلَى الْأَرْضِ نَفْسٌ مَنْفُوسَةٌ مِمَّنْ هُوَ حَيٌّ، وَإِنَّ رَخَاءَ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ الْمِائَةِ» . تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ. وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ لَهُ: يَا فَرُّوخُ أَنْتَ الْقَائِلُ لَا يَأْتِي عَلَى النَّاسِ مِائَةُ سَنَةٍ وَعَلَى الْأَرْضِ عَيْنٌ تَطْرِفُ مِمَّنْ هو حي اليوم، وإنما رخاء هذه الأمة وفرحها بعد المائة؟ إِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَأْتِي عَلَى النَّاسِ مِائَةُ سَنَةٍ وَعَلَى الْأَرْضِ عَيْنٌ تَطْرِفُ، أَخْطَأَتِ اسْتُكَ الْحُفْرَةَ، وإنما أراد ممن هو اليوم حي» تَفَرَّدَ بِهِ [1] وَهَكَذَا جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنُ عُمَرَ، فَوَهِلَ النَّاسُ فِي مَقَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ انْخِرَامَ قَرْنِهِ وَفِيهَا خَرَجَتْ خَارِجَةٌ مِنَ الْحَرُورِيَّةِ بِالْعِرَاقِ فَبَعَثَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عَبْدِ الْحَمِيدِ نَائِبِ الْكُوفَةِ، يَأْمُرُهُ بِأَنْ يَدْعُوَهُمْ إِلَى الْحَقِّ، وَيَتَلَطَّفَ بِهِمْ، وَلَا يُقَاتِلَهُمْ حَتَّى يُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ بَعَثَ إِلَيْهِمْ جَيْشًا فَكَسَرَهُمُ الْحَرُورِيَّةُ، فَبَعَثَ عُمَرُ إِلَيْهِ يَلُومُهُ عَلَى جَيْشِهِ، وَأَرْسَلَ عُمَرُ ابْنَ عَمِّهِ مَسْلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ مِنَ الْجَزِيرَةِ إِلَى حَرْبِهِمْ، فَأَظْفَرَهُ اللَّهُ بِهِمْ، وَقَدْ أَرْسَلَ عُمَرُ إِلَى كَبِيرِ الْخَوَارِجِ- وَكَانَ يُقَالُ لَهُ بِسْطَامُ- يَقُولُ لَهُ: مَا أَخْرَجَكَ عَلَيَّ؟ فَإِنْ كُنْتَ خَرَجْتَ غَضَبًا للَّه فَأَنَا أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْكَ، وَلَسْتَ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنِّي، وَهَلُمَّ أُنَاظِرْكَ، فَإِنْ رَأَيْتَ حَقًّا اتَّبَعْتَهُ، وَإِنْ أَبْدَيْتَ حَقًّا نَظَرْنَا فِيهِ. فَبَعَثَ طَائِفَةً مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَيْهِ فَاخْتَارَ مِنْهُمْ عُمَرُ رَجُلَيْنِ فَسَأَلَهُمَا: مَاذَا تَنْقِمُونَ؟ فَقَالَا:
جَعْلَكَ يَزِيدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ [2] مِنْ بَعْدِكَ، فَقَالَ: إِنِّي لَمْ أَجْعَلْهُ أَبَدًا وَإِنَّمَا جَعَلَهُ غَيْرِي. قَالَا: فَكَيْفَ تَرْضَى به أمينا للأمة من بعدك؟ فقال: أنظرانى ثَلَاثَةً، فَيُقَالُ إِنَّ بَنِي أُمَيَّةَ دَسَّتْ إِلَيْهِ سُمًّا فَقَتَلُوهُ خَشْيَةَ أَنْ يَخْرُجَ الْأَمْرُ مِنْ أيديهم ويمنعهم الأموال والله أعلم.