وَفَضْلُ عَقْلِهِ عَلَى مَنْطِقِهِ هُجْنَةٌ، وَخَيْرُ ذَلِكَ مَا أَشْبَهَ بَعْضُهُ بَعْضًا وَقَالَ: الْعَاقِلُ أَحْرَصُ عَلَى إِقَامَةِ لِسَانِهِ مِنْهُ عَلَى طَلَبِ مَعَاشِهِ، وَقَالَ أَيْضًا: إِنَّ مَنْ تَكَلَّمَ فَأَحْسَنَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَسْكُتَ فَيُحْسِنَ، وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ سَكَتَ فَأَحْسَنَ قَادِرًا عَلَى أَنْ يَتَكَلَّمَ فَيُحْسِنَ. وَمِنْ شِعْرِهِ يَتَسَلَّى عَنْ صَدِيقٍ لَهُ مَاتَ فقال:

وَهَوَّنَ وَجْدِي فِي شَرَاحِيلَ أَنَّنِي ... مَتَى شِئْتُ لاقيت امرأ مات صاحبه

ومن شعره أيضا:

ومن شيمى ألّا أُفَارِقَ صَاحِبِي ... وَإِنْ مَلَّنِي إِلَّا سَأَلْتُ لَهُ رُشْدَا

وَإِنْ دَامَ لِي بِالْوُدِّ دُمْتُ وَلَمْ أَكُنْ ... كَآخَرِ لَا يَرْعَى ذِمَامًا وَلَا عَهْدَا

وَسَمِعَ سُلَيْمَانُ لَيْلَةً صَوْتَ غِنَاءٍ فِي مُعَسْكَرِهِ فَلَمْ يَزَلْ يَفْحَصُ حَتَّى أَتَى بِهِمْ، فَقَالَ سُلَيْمَانُ: إِنَّ الْفَرَسَ لَيَصْهَلُ فَتَسْتَوْدِقُ لَهُ الرَّمَكَةُ، وإن الجمل ليهدر فتضبع له الناقة، وإن التيس لينبّ فتستخذى لَهُ الْعَنْزُ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَغَنَّى فَتَشْتَاقُ لَهُ المرأة، ثم أمر بهم فقال: اخصوهم، فَيُقَالُ إِنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: يا أمير المؤمنين إنها مثلة، ولكن انفهم، فنفاهم. وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ خَصَى أَحَدَهُمْ، ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَصْلِ الْغِنَاءِ فَقِيلَ إِنَّهُ بِالْمَدِينَةِ، فَكَتَبَ إِلَى عَامِلِهِ بِهَا وَهُوَ أَبُو بَكْرِ بْنُ محمد بْنِ حَزْمٍ يَأْمُرُهُ أَنْ يَخْصِيَ مَنْ عِنْدَهُ مِنَ الْمُغَنِّينَ الْمُخَنَّثِينَ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: دَخَلَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى سُلَيْمَانَ فَدَعَاهُ إِلَى أَكْلِ الْفَالُوذَجِ وَقَالَ لَهُ: إِنَّ أَكْلَهَا يَزِيدُ فِي الدِّمَاغِ فَقَالَ: لَوْ كَانَ هَذَا صَحِيحًا لَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ رَأْسُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مِثْلَ [رَأْسِ] الْبَغْلِ.

وَذَكَرُوا أَنَّ سُلَيْمَانَ كَانَ نَهِمًا فِي الْأَكْلِ، وَقَدْ نَقَلُوا عَنْهُ أَشْيَاءَ فِي ذَلِكَ غَرِيبَةً، فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ اصْطَبَحَ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ بِأَرْبَعِينَ دَجَاجَةً مَشْوِيَّةً، وَأَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ كُلْوَةً بِشَحْمِهَا، وَثَمَانِينَ جَرْدَقَةً، ثُمَّ أَكَلَ مَعَ النَّاسِ عَلَى الْعَادَةِ فِي السِّمَاطِ الْعَامِّ [1] . وَدَخَلَ ذَاتَ يَوْمٍ بستانا له وكان قد أمر قيمه أن يجثى ثماره، فدخله ومعه أصحابه فأكل القوم حتى ملوا، وَاسْتَمَرَّ هُوَ يَأْكُلُ أَكْلًا ذَرِيعًا مِنْ تِلْكَ الْفَوَاكِهِ، ثُمَّ اسْتَدْعَى بِشَاةٍ مَشْوِيَّةٍ فَأَكَلَهَا ثُمَّ أقبل على أكل الْفَاكِهَةِ، ثُمَّ أُتِيَ بِدَجَاجَتَيْنِ فَأَكَلَهُمَا، ثُمَّ عَادَ إلى الفاكهة فأكل منها، ثُمَّ أُتِيَ بِقَعْبٍ يَقْعُدُ فِيهِ الرَّجُلُ مَمْلُوءًا سويقا وسمنا وسكرا فَأَكَلَهُ ثُمَّ عَادَ إِلَى دَارِ الْخِلَافَةِ، وَأُتِيَ بالسماط فما فقدوا مِنْ أَكْلِهِ شَيْئًا [2] . وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ عَرَضَتْ له حمى عقب هذا الأكل أَدَّتْهُ إِلَى الْمَوْتِ، وَقَدْ قِيلَ إِنَّ سَبَبَ مَرَضِهِ كَانَ مِنْ أَكْلِ أَرْبَعِمِائَةِ بَيْضَةٍ وَسَلَّتَيْنِ تينا فاللَّه أعلم.

وذكر الفضل بن أبى المهلب أَنَّهُ لَبِسَ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ حُلَّةً صَفْرَاءَ ثم نزعها ولبس بدلها حلة خضراء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015