إِلَى أَحَدِهِمْ مِنَ الذَّهَبِ الْأَحْمَرِ. وَرَوَى عَطَاءٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: إِذَا رَأَيْتُمْ سِتًّا فَإِنْ كَانَتْ نَفْسُ أَحَدِكُمْ فِي يَدِهِ فَلْيُرْسِلْهَا، فَلِذَلِكَ أَتَمَنَّى الْمَوْتَ أَخَافُ أَنْ تُدْرِكَنِي، إِذَا أُمِّرَتِ السُّفَهَاءُ، وَبِيعَ الْحُكْمُ، وَتُهُوِّنُ بِالدَّمِ، وَقُطَّعَتِ الأرحام، وكثرت الجلاوزة، ونشأ نشو يَتَّخِذُونَ الْقُرْآنَ مَزَامِيرَ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ زِيَادٍ الْقُرَظِيِّ أَنَّ ثَعْلَبَةَ بْنَ أَبِي مَالِكٍ الْقُرَظِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَقْبَلَ فِي السُّوقِ يحمل حزمتى حَطَبٍ- وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرٌ لِمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ- فَقَالَ: أَوْسِعِ الطَّرِيقَ لِلْأَمِيرِ يَا ابْنَ أَبِي مَالِكٍ، [فَقُلْتُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ يَكْفِي هَذَا! فَقَالَ: أَوْسِعِ الطَّرِيقَ لِلْأَمِيرِ وَالْحُزْمَةُ عَلَيْهِ] [1] وَلَهُ فَضَائِلُ ومناقب كثيرة وَكَلَامٌ حَسَنٌ وَمَوَاعِظُ جَمَّةٌ، أَسْلَمَ كَمَا قَدَّمْنَا عَامَ خَيْبَرَ، فَلَزِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِمَ يُفَارِقْهُ إِلَّا حِينَ بَعَثَهُ مَعَ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ إِلَى الْبَحْرَيْنِ، وَوَصَّاهُ بِهِ، فَجَعَلَهُ الْعَلَاءُ مُؤَذِّنًا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقَالَ لَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَا تَسْبِقْنِي بِآمِينَ أَيُّهَا الْأَمِيرُ. وَقَدِ اسْتَعْمَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَيْهَا فِي أَيَّامِ إِمَارَتِهِ، وَقَاسَمَهُ مَعَ جُمْلَةِ الْعُمَّالِ. قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ. أَنَّ عُمَرَ اسْتَعْمَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَلَى الْبَحْرَيْنِ فَقَدِمَ بِعَشَرَةِ آلَافٍ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: اسْتَأْثَرْتَ بِهَذِهِ الْأَمْوَالِ أَيْ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّ كِتَابِهِ؟ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَسْتُ بعدو الله ولا عدو كتابه، ولكن عَدُوُّ مَنْ عَادَاهُمَا.
فَقَالَ: فَمِنْ أَيْنَ هِيَ لَكَ؟ قَالَ: خَيْلٌ نُتِجَتْ، وَغَلَّةٌ وَرَقِيقٌ لِي، وَأَعْطِيَةٌ تَتَابَعَتْ عَلَيَّ. فَنَظَرُوا فَوَجَدُوهُ كَمَا قَالَ. فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ دَعَاهُ عُمَرُ لِيَسْتَعْمِلَهُ فَأَبَى أَنْ يَعْمَلَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ: تَكْرَهُ الْعَمَلَ وَقَدْ طَلَبَهُ مَنْ كَانَ خَيْرًا مِنْكَ؟ طَلَبَهُ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: إِنَّ يُوسُفَ نَبِيٌّ ابْنُ نَبِيٍّ ابْنِ نَبِيٍّ ابْنِ نَبِيٍّ، وأنا أبو هريرة بن أمية وأخشى ثلاثا واثنين، قَالَ عُمَرُ: فَهَلَّا قُلْتَ خَمْسَةً؟ قَالَ: أَخْشَى أن أقول بغير علم، وأقضى بغير حلم، أو يضرب ظهري، وينزع مَالِي، وَيُشْتَمُ عِرْضِي. وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّ عُمَرَ غرمه فِي الْعِمَالَةِ الْأُولَى اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا فَلِهَذَا امْتَنَعَ فِي الثَّانِيَةِ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ.
قَالَ: كَانَ مُعَاوِيَةُ يَبْعَثُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَلَى الْمَدِينَةِ فَإِذَا غَضِبَ عَلَيْهِ عَزَلَهُ وَوَلَّى مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ، فَإِذَا جَاءَ أَبُو هُرَيْرَةَ إِلَى مَرْوَانَ حَجَبَهُ عَنْهُ، فَعَزَلَ مَرْوَانَ وَرَجَعَ أَبُو هُرَيْرَةَ، فَقَالَ لِمَوْلَاهُ: مَنْ جَاءَكَ فَلَا تَرُدَّهُ وَاحَجُبْ مَرْوَانَ، فَلَمَّا جَاءَ مَرْوَانُ دَفَعَ الْغُلَامُ فِي صَدْرِهِ فما دخل إلا بعد جهد جهيد، فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ:
إِنَّ الْغُلَامَ حَجَبَنَا عَنْكَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ: إِنَّكَ أَحَقُّ النَّاسِ أَنْ لَا تَغْضَبَ مِنْ ذَلِكَ. وَالْمَعْرُوفُ أَنَّ مَرْوَانَ هُوَ الَّذِي كَانَ يَسْتَنِيبُ أَبَا هُرَيْرَةَ فِي إِمْرَةِ الْمَدِينَةِ، وَلَكِنْ كَانَ يَكُونُ عَنْ إِذْنِ مُعَاوِيَةَ فِي ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ: كَانَ مَرْوَانُ رُبَّمَا اسْتَخْلَفَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَلَى الْمَدِينَةِ فَيَرْكَبُ الْحِمَارَ وَيَلْقَى الرَّجُلَ فَيَقُولُ: الطَّرِيقَ قَدْ جَاءَ الْأَمِيرُ- يَعْنِي نَفْسَهُ- وَكَانَ يَمُرُّ بِالصِّبْيَانِ وَهُمْ يَلْعَبُونَ بِاللَّيْلِ لُعْبَةَ الْأَعْرَابِ، وهو أمير، فلا يشعرون إلا وقد ألقى نفسه بينهم ويضرب برجليه