الرواع بمكان يقال له المذار: فاقتتلوا معهم فهزمهم الْخَوَارِجُ ثُمَّ كَرُّوا عَلَيْهِمْ فَهَزَمَتْهُمُ الْخَوَارِجُ، وَلَكِنْ لَمْ يُقْتَلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ، فَلَزِمُوا مَكَانَهُمْ فِي مقاتلتهم يَنْتَظِرُونَ قُدُومَ أَمِيرِ الْجَيْشِ مَعْقِلِ بْنِ قَيْسٍ عَلَيْهِمْ، فَمَا قَدِمَ عَلَيْهِمْ إِلَّا فِي آخِرِ نهار غربت فيه الشَّمْسُ، فَنَزَلَ وَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ، ثُمَّ شَرَعَ فِي مدح أبى الرواع فَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْأَمِيرُ إِنْ لَهُمْ شَدَّاتٍ مُنْكَرَةً، فَكُنْ أَنْتَ رِدْءَ النَّاسِ، وَمُرِ الْفُرْسَانَ فَلْيُقَاتِلُوا بَيْنَ يَدَيْكَ، فَقَالَ مَعْقِلُ بْنُ قَيْسٍ: نِعْمَ مَا رَأَيْتَ، فَمَا كَانَ إِلَّا رَيْثَمَا قَالَ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى حَمَلَتِ الْخَوَارِجُ عَلَى مَعْقِلٍ وَأَصْحَابِهِ، فَانْجَفَلَ عَنْهُ عَامَّةُ أَصْحَابِهِ، فَتَرَجَّلَ عِنْدَ ذَلِكَ مَعْقِلُ بْنُ قَيْسٍ وَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ الْأَرْضَ الْأَرْضَ، فَتَرَجَّلَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْفُرْسَانِ وَالشُّجْعَانِ قَرِيبٌ مِنْ مِائَتَيْ فَارِسٍ، منهم أبو الرواع الشاكري، فحمل عليهم المستورد بن علقمة بِأَصْحَابِهِ فَاسْتَقْبَلُوهُمْ بِالرِّمَاحِ وَالسُّيُوفِ، وَلَحِقَ بَقِيَّةَ الْجَيْشِ بعض الفرسان فدمرهم وَعَيَّرَهُمْ وَأَنَّبَهُمْ عَلَى الْفِرَارِ فَرَجَعَ النَّاسُ إِلَى معقل وهو يقاتل الخوارج بمن معه من الأنصار قِتَالًا شَدِيدًا، وَالنَّاسُ يَتَرَاجَعُونَ فِي أَثْنَاءِ اللَّيْلِ، فَصَفَّهُمْ مَعْقِلُ بْنُ قَيْسٍ مَيْمَنَةً وَمَيْسَرَةً وَرَتَّبَهُمْ وَقَالَ: لَا تَبْرَحُوا عَلَى مَصَافِّكُمْ حَتَّى نُصْبِحَ فَنَحْمِلَ عَلَيْهِمْ، فَمَا أَصْبَحُوا حَتَّى هُزِمَتِ الْخَوَارِجُ فَرَجَعُوا مِنْ حَيْثُ أَتَوْا، فَسَارَ مَعْقِلٌ فِي طلبهم وقدم بين يديه أبا الرواع فِي سِتِّمِائَةٍ فَالْتَقَوْا بِهِمْ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَثَارَ إِلَيْهِمُ الْخَوَارِجُ فَتَبَارَزُوا سَاعَةً، ثُمَّ حَمَلُوا حملة رجل واحد فصبر لهم أبو الرواع بمن معه، وجعل يدمرهم ويعيرهم ويؤنبهم على الْفِرَارِ وَيَحُثُّهُمْ عَلَى الصَّبْرِ فَصَبَرُوا وَصَدَقُوا فِي الثَّبَاتِ حَتَّى رَدُّوا الْخَوَارِجَ إِلَى أَمَاكِنِهِمْ، فَلَمَّا رَأَتِ الْخَوَارِجُ ذَلِكَ خَافُوا مِنْ هُجُومِ مَعْقِلٍ عَلَيْهِمْ فَمَا يَكُونُ دُونَ قَتْلِهِمْ شَيْءٌ، فَهَرَبُوا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ حَتَّى قَطَعُوا دِجْلَةَ وَوَقَعُوا فِي أرض نهر شير، وتبعهم أبو الرواع وَلَحِقَهُ مَعْقِلُ بْنُ قَيْسٍ، وَوَصَلَتِ الْخَوَارِجُ إِلَى المدينة العتيقة فركب إليهم شريك بن عبيد- نائب المدائن- ولحقهم أبو الرواع بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُقَدِّمَةِ. وَحَجَّ بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ نَائِبُ الْمَدِينَةِ.
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ بِهَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. أَمَّا عَمْرُو بن العاص [فهو عمرو ابن العاص] بن وائل بن هشام بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ الْقُرَشِيُّ السَّهْمِيُّ، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، وَيُقَالُ أَبُو مُحَمَّدٍ، أَحَدُ رُؤَسَاءِ قُرَيْشٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلُوهُ إِلَى النَّجَاشِيِّ لِيَرُدَّ عَلَيْهِمْ مَنْ هَاجَرَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى بِلَادِهِ فَلَمْ يُجِبْهُمْ إِلَى ذَلِكَ لِعَدْلِهِ، وَوَعَظَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ فِي ذَلِكَ، فَيُقَالُ إِنَّهُ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إِنَّمَا أَسْلَمَ قَبْلَ الْفَتْحِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ هُوَ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ الْعَبْدَرِيُّ. وكان أحد أمراء الإسلام، وهو أمير ذَاتِ السَّلَاسِلِ، وَأَمَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَدَدٍ عَلَيْهِمْ أَبُو عُبَيْدَةَ وَمَعَهُ الصِّدِّيقُ وَعُمَرُ الْفَارُوقُ، وَاسْتَعْمَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عُمَانَ فَلَمْ يَزَلْ عَلَيْهَا مُدَّةَ حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَقَرَّهُ عَلَيْهَا الصِّدِّيقُ. وَقَدْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ:
ثَنَا قُتَيْبَةُ ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ ثَنَا مشرح بن عاهان عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ. قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَسْلَمَ