بِنَاؤُهَا، قَالَ: فَمَا وُضِعَتْ عَلَيْهَا لَبِنَةٌ، قَالَ: فكنت فيمن يمر عَلَيْهَا لَا تُشْبِهُ الدُّورَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ الشَّيْبَانِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ الْغَفَّارِ بْنِ الْقَاسِمِ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِي بَشِيرٍ الشَّيْبَانِيِّ. قَالَ: شَهِدْتُ الْجَمَلَ مَعَ مَوْلَايَ فَمَا رَأَيْتُ يَوْمًا قَطُّ أَكْثَرَ سَاعِدًا نَادِرًا وَقَدَمًا نَادِرَةً مِنْ يَوْمَئِذٍ، وَلَا مَرَرْتُ بِدَارِ الْوَلِيدِ قَطُّ إِلَّا ذَكَرْتُ يَوْمَ الْجَمَلِ قَالَ: فَحَدَّثَنِي الْحَكَمُ بن عيينة أَنَّ عَلِيًّا دَعَا يَوْمَ الْجُمَلَ فَقَالَ: اللَّهمّ خُذْ أَيْدِيَهُمْ وَأَقْدَامَهُمْ. وَمِنْ كَلَامِهِ الْحَسَنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ أَنَا عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ السُّدِّيُّ سَمِعْتُ أَبَا أَرَاكَةَ يَقُولُ: صَلَّيْتُ مَعَ عَلِيٍّ صَلَاةَ الْفَجْرِ فَلَمَّا انْفَتَلَ عَنْ يَمِينِهِ مَكَثَ كَأَنَّ عَلَيْهِ كَآبَةً حَتَّى إِذَا كَانَتِ الشَّمْسُ عَلَى حَائِطِ الْمَسْجِدِ قَيْدَ رُمْحٍ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَلَّبَ يَدَهُ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم فلما أَرَى الْيَوْمَ شَيْئًا يُشْبِهُهُمْ، لَقَدْ كَانُوا يُصْبِحُونَ صُفْرًا شُعْثًا غُبْرًا بَيْنَ أَعْيُنِهِمْ كَأَمْثَالِ رُكَبِ الْمِعْزَى، قَدْ بَاتُوا للَّه سُجَّدًا وَقِيَامًا يَتْلُونَ كتاب الله يتراوحون بَيْنَ جِبَاهِهِمْ وَأَقْدَامِهِمْ، فَإِذَا أَصْبَحُوا فَذَكَرُوا اللَّهَ مَادُوا كَمَا يَمِيدُ الشَّجَرُ فِي يَوْمِ الرِّيحِ، وهملت أعينهم حتى تنبل ثِيَابَهُمْ، وَاللَّهِ لَكَأَنَّ الْقَوْمَ بَاتُوا غَافِلِينَ، ثُمَّ نَهَضَ فَمَا رُئِيَ بَعْدَ ذَلِكَ مُفْتَرًّا يَضْحَكُ حَتَّى قَتَلَهُ ابْنُ مُلْجَمٍ عَدُوُّ اللَّهِ الْفَاسِقُ. وَقَالَ وَكِيعٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَوْفَى بْنِ دَلْهَمٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ: تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ تُعْرَفُوا بِهِ، واعملوا تَكُونُوا مِنْ أَهْلِهِ، فَإِنَّهُ يَأْتِي مِنْ بَعْدِكُمْ زَمَانٌ يُنْكَرُ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ تِسْعَةُ أَعْشَارِهِ، وإنه لا ينجو منه إلا كل أواب منيب، أُولَئِكَ أَئِمَّةُ الْهُدَى وَمَصَابِيحُ الْعِلْمِ لَيْسُوا بِالْعُجُلِ المذاييع البذر، ثم قال: ألا وإن الدُّنْيَا قَدِ ارْتَحَلَتْ مُدْبِرَةً وَإِنَّ الْآخِرَةَ قَدْ أتت مقبلة، ولكل واحدة بَنُونَ فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، أَلَّا وَإِنَّ الزَّاهِدِينَ فِي الدُّنْيَا اتَّخَذُوا الْأَرْضَ بِسَاطًا، وَالتُّرَابَ فِرَاشًا، وَالْمَاءَ طِيبًا، أَلَا مَنِ اشْتَاقَ إِلَى الْآخِرَةِ سَلَا عَنِ الشَّهَوَاتِ، وَمَنْ أَشْفَقَ مِنَ النَّارِ رَجَعَ عن المحرمات، وَمَنْ طَلَبَ الْجَنَّةَ سَارَعَ إِلَى الطَّاعَاتِ، وَمَنْ زهد في الدنيا هانت عليه المصائب، أَلَا إِنَّ للَّه عِبَادًا كَمَنْ رَأَى أَهْلَ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ مُخَلَّدِينَ، وَأَهْلَ النَّارِ فِي النَّارِ مُعَذَّبِينَ، شُرُورُهُمْ مَأْمُونَةٌ، وَقُلُوبُهُمْ مَحْزُونَةٌ، وَأَنْفُسُهُمْ عَفِيفَةٌ، وَحَوَائِجُهُمْ خَفِيفَةٌ، صَبَرُوا أَيَّامًا قَلِيلَةً لِعُقْبَى رَاحَةٍ طَوِيلَةٍ، أَمَّا اللَّيْلُ فَصَافُّونَ أَقْدَامَهُمْ، تَجْرِي دموعهم على خدودهم، يجأرون إلى الله في فكاك رقابهم. وأما النهار فظماء حُلَمَاءُ بَرَرَةٌ أَتْقِيَاءُ، كَأَنَّهُمُ الْقِدَاحُ يَنْظُرُ إِلَيْهِمُ النَّاظِرُ فَيَقُولُ مَرْضَى وَمَا بِالْقَوْمِ مِنْ مَرَضٍ، وخولطوا وَلَقَدْ خَالَطَ الْقَوْمَ أَمْرٌ عَظِيمٌ. وَعَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ قَالَ: صَعِدَ عَلِيٌّ ذَاتَ يَوْمٍ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَذَكَرَ الْمَوْتَ فَقَالَ: عِبَادَ اللَّهِ الْمَوْتُ لَيْسَ مِنْهُ فَوْتٌ، إِنْ أَقَمْتُمْ لَهُ أَخَذَكُمْ، وَإِنْ فَرَرْتُمْ مِنْهُ أدرككم، فالنجا النجا، والوحا الوحا، إن وَرَاءَكُمْ طَالِبٌ حَثِيثٌ الْقَبْرُ فَاحْذَرُوا ضَغْطَتَهُ وَظُلْمَتَهُ وَوَحْشَتَهُ، أَلَا وَإِنَّ الْقَبْرَ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ، أَوْ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ