وفي هذه السنة أعنى سنة ست وثلاثين

أَلْفٍ، وَإِنَّمَا نَبَّهْنَا عَلَى هَذَا لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مَا فِيهِ نَظَرٌ يَنْبَغِي أَنْ يُنَبَّهَ لَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ جَمَعَ ماله هذا بعد الصدقات الكثيرة والمآثر الغزيرة مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الْجِهَادِ وَمِنْ خمس الخمس ما يخص أمه منه، ومن التجارة المبرورة من الخلال المشكورة، وَقَدْ قِيلَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ أَلْفُ مَمْلُوكٍ يُؤَدُّونَ إِلَيْهِ الْخَرَاجَ، فَرُبَّمَا تَصَدَّقَ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ بِخَرَاجِهِمْ كُلِّهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ، وَكَانَ قَتْلُهُ يَوْمَ الْخَمِيسَ لِعَشَرٍ خَلَوْنَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَقَدْ نَيَّفَ على الستين بِسِتٍّ أَوْ سَبْعٍ وَكَانَ أَسْمَرَ رَبْعَةً مِنَ الرِّجَالِ مُعْتَدِلَ اللَّحْمِ خَفِيفَ اللِّحْيَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ أَعْنِي سَنَةَ سِتٍّ وثلاثين

ولى على بن أبى طالب نِيَابَةَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ لِقَيْسِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، وَكَانَ عَلَى نِيَابَتِهَا فِي أَيَّامِ عُثْمَانُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ فَلَمَّا تَوَجَّهَ أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ مِنْ خَوَارِجِ الْمِصْرِيِّينَ إلى عثمان وَكَانَ الَّذِي جَهَّزَهُمْ إِلَيْهِ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَبَأٍ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ السَّوْدَاءِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ عُتْبَةَ، وَكَانَ لَمَّا قُتِلَ أبوه باليمامة أَوْصَى بِهِ إِلَى عُثْمَانَ، فَكَفَلَهُ وَرَبَّاهُ فِي حِجْرِهِ وَمَنْزِلِهِ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ إِحْسَانًا كَثِيرًا وَنَشَأَ فِي عِبَادَةٍ وَزَهَادَةٍ، وَسَأَلَ مِنْ عُثْمَانَ أَنْ يُوَلِّيَهُ عَمَلًا فَقَالَ لَهُ: مَتَى مَا صِرْتَ أَهْلًا لِذَلِكَ وَلَّيْتُكَ، فَتَعَتَّبَ فِي نَفْسِهِ عَلَى عُثْمَانَ فَسَأَلَ مِنْ عُثْمَانَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْغَزْوِ فَأَذِنَ لَهُ، فَقَصَدَ الدِّيَارَ الْمِصْرِيَّةَ وَحَضَرَ مَعَ أَمِيرِهَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ غزوة الصواري كما قدمنا، وجعل يَنْتَقِصُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَسَاعَدَهُ عَلَى ذلك محمد بن أبى بكر، فَكَتَبَ بِذَلِكَ ابْنُ أَبِي سَرْحٍ إِلَى عُثْمَانَ يشكوهما إليه فلم يعبأ بهما عثمان وَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حُذَيْفَةَ حَتَّى اسْتَنْفَرَ أُولَئِكَ إِلَى عُثْمَانَ فَلَمَّا بَلَغَهُ أَنَّهُمْ قَدْ حَصَرُوا عُثْمَانَ تَغَلَّبَ عَلَى الديار المصرية وَأَخْرَجَ مِنْهَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، وَصَلَّى بِالنَّاسِ فِيهَا، فَلَمَّا كَانَ ابْنُ أَبِي سَرْحٍ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ جَاءَهُ الْخَبَرُ بقتل أمير المؤمنين عُثْمَانَ فَقَالَ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ، 2: 156 وَبَلَغَهُ أَنَّ عَلِيًّا قَدْ بَعَثَ عَلَى إِمْرَةِ مِصْرَ قَيْسَ بْنَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَشَمِتَ بِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حُذَيْفَةَ، إِذْ لَمْ يُمَتَّعْ بِمُلْكِ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ سَنَةً، وَسَارَ عَبْدُ اللَّهِ بن سعد إِلَى الشَّامِ إِلَى مُعَاوِيَةَ فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ بِدِيَارِ مِصْرَ، وَأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي حُذَيْفَةَ قَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهَا، فَسَارَ مُعَاوِيَةُ وعمرو بن العاص لِيُخْرِجَاهُ مِنْهَا لِأَنَّهُ مِنْ أَكْبَرِ الْأَعْوَانِ عَلَى قَتْلِ عُثْمَانَ، مَعَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ رَبَّاهُ وَكَفَلَهُ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ، فَعَالَجَا دُخُولَ مِصْرَ فَلَمْ يَقْدِرَا فَلَمْ يَزَالَا يَخْدَعَانِهِ حَتَّى خَرَجَ إِلَى العريش في ألف رجل فتحصن بها، وجاء عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَنَصَبَ عَلَيْهِ الْمَنْجَنِيقَ حَتَّى نَزَلَ فِي ثَلَاثِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقُتِلُوا، ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ. ثُمَّ سَارَ إِلَى مِصْرَ قيس ابن سعد بن عبادة بولاية من على، فدخل مصر فِي سَبْعَةِ نَفَرٍ، فَرَقِيَ الْمِنْبَرَ وَقَرَأَ عَلَيْهِمْ كِتَابَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ! مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى مَنْ بَلَغَهُ كِتَابِي هَذَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015