ذكر مسير أمير المؤمنين على بن أبى طالب من المدينة إلى البصرة بدلا من مسيره إلى الشام

فَضَرَبَ رَجُلٌ رِجْلَ حُكَيْمِ بْنِ جَبَلَةَ فَقَطَعَهَا، فَزَحَفَ حَتَّى أَخَذَهَا وَضَرَبَ بِهَا ضَارِبَهُ فَقَتَلَهُ ثُمَّ أَتَّكَأَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ يَقُولُ:

يَا سَاقُ لن تراعى ... إن لك ذِرَاعِي

أَحْمِي بِهَا كُرَاعِي

وَقَالَ أَيْضًا:

لَيْسَ عَلَيَّ أَنْ أَمُوتَ عَارُ ... وَالْعَارُ فِي النَّاسِ هُوَ الْفِرَارُ

وَالْمَجْدُ لَا يَفْضَحُهُ الدَّمَارُ

فَمَرَّ عَلَيْهِ رَجُلٌ وَهُوَ مُتَّكِئٌ بِرَأْسِهِ عَلَى ذَلِكَ الرجل، فقال له: من قتلك؟ فقال له وِسَادَتِي. ثُمَّ مَاتَ حُكَيْمٌ قَتِيلًا هُوَ وَنَحْوٌ من سبعين من قتلة عثمان وأنصارهم أهل المدينة، فَضَعُفَ جَأْشُ مَنْ خَالَفَ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَيُقَالُ: إِنَّ أَهْلَ الْبَصْرَةِ بَايَعُوا طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ، وَنَدَبَ الزُّبَيْرُ أَلْفَ فَارِسٍ يَأْخُذُهَا معه ويلتقى بها عَلِيًّا قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ، وَكَتَبُوا بِذَلِكَ إِلَى أَهْلِ الشَّامِ يُبَشِّرُونَهُمْ بِذَلِكَ، وَقَدْ كَانَتْ هَذِهِ الْوَقْعَةُ لِخَمْسِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْآخَرِ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ، وَقَدْ كَتَبَتْ عَائِشَةُ إِلَى زَيْدِ بْنِ صُوحَانَ تَدْعُوهُ إِلَى نُصْرَتِهَا وَالْقِيَامِ مَعَهَا فَإِنْ لَمْ يَجِئْ فَلْيَكُفَّ يَدَهُ وَلْيَلْزَمْ مَنْزِلَهُ، أَيْ لَا يَكُونُ عَلَيْهَا وَلَا لَهَا، فَقَالَ: أَنَا فِي نُصْرَتِكِ مَا دُمْتِ فِي مَنْزِلِكِ، وَأَبَى أَنْ يُطِيعَهَا فِي ذَلِكَ، وَقَالَ:

رَحِمَ اللَّهُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أمرها الله أَنْ تَلْزَمَ بَيْتَهَا وَأُمِرْنَا أَنْ نُقَاتِلَ، فَخَرَجَتْ مِنْ مَنْزِلِهَا وَأَمَرَتْنَا بِلُزُومِ بُيُوتِنَا الَّتِي كَانَتْ هِيَ أَحَقَّ بِذَلِكَ مِنَّا، وَكَتَبَتْ عَائِشَةُ إِلَى أَهْلِ الْيَمَامَةِ وَالْكُوفَةِ بِمِثْلِ ذَلِكَ.

ذِكْرُ مَسِيرِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِنْ المدينة إلى البصرة بدلا من مَسِيرِهِ إِلَى الشَّامِ

بَعْدَ أَنْ كَانَ قَدْ تَجَهَّزَ قَاصِدًا الشَّامَ كَمَا ذَكَرْنَا، فَلَمَّا بَلَغَهُ قَصْدُ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ الْبَصْرَةَ، خَطَبَ النَّاسَ وَحَثَّهُمْ عَلَى الْمَسِيرِ إِلَى الْبَصْرَةِ لِيَمْنَعَ أُولَئِكَ مِنْ دُخُولِهَا، إِنْ أَمْكَنَ، أَوْ يَطْرُدَهُمْ عَنْهَا إِنْ كانوا قد دخلوها، فتثاقل عنه أكثر أهل المدينة، وَاسْتَجَابَ لَهُ بَعْضُهُمْ، قَالَ الشَّعْبِيُّ: مَا نَهَضَ مَعَهُ فِي هَذَا الْأَمْرِ غَيْرُ سِتَّةِ نَفَرٍ مِنَ الْبَدْرِيِّينَ، لَيْسَ لَهُمْ سَابِعٌ. وَقَالَ غَيْرُهُ أَرْبَعَةٌ. وَذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ قَالَ كَانَ مِمَّنِ اسْتَجَابَ لَهُ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيِّهَانِ، وَأَبُو قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ، وَزِيَادُ بْنُ حَنْظَلَةَ، وَخُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ. قَالُوا: وَلَيْسَ بِذِي الشَّهَادَتَيْنِ، ذَاكَ مَاتَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَسَارَ عَلِيٌّ مِنَ الْمَدِينَةِ نحو البصرة على تعبئته المتقدم ذكرها، غَيْرَ أَنَّهُ اسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ تَمَّامَ بْنَ عَبَّاسٍ وَعَلَى مَكَّةَ قُثَمَ بْنَ عَبَّاسٍ وَذَلِكَ فِي آخِرِ شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخَرِ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ، وَخَرَجَ عَلِيٌّ مِنَ الْمَدِينَةِ فِي نَحْوٍ مِنْ تِسْعِمِائَةِ مُقَاتِلٍ، وَقَدْ لَقِيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلِيًّا وَهُوَ بالربذة، فأخذ بعنان فَرَسِهِ وَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! لَا تَخْرُجْ منها، فو الله لَئِنْ خَرَجْتَ مِنْهَا لَا يَعُودُ إِلَيْهَا سُلْطَانُ الْمُسْلِمِينَ أَبَدًا، فَسَبَّهُ بَعْضُ النَّاسِ، فَقَالَ عَلِيٌّ: دعوه فنعم الرجل مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَاءَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى أَبِيهِ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ: لَقَدْ نَهَيْتُكَ فَعَصَيْتَنِي تُقْتَلُ غَدًا بِمَضْيَعَةٍ لَا نَاصِرَ لَكَ. فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: إنك لا تزال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015