كَانَ؟ قَالُوا: بَلَى، فَرَجَعَ إِلَى عَلِيٍّ. وَأَمَّا قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ فَاخْتَلَفَ عَلَيْهِ أَهْلُ مِصْرَ فَبَايَعَ لَهُ الْجُمْهُورُ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا نُبَايِعُ حَتَّى نَقْتُلَ قَتَلَةَ عُثْمَانَ، وَكَذَلِكَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ، وَأَمَّا عُمَارَةُ بْنُ شِهَابٍ الْمَبْعُوثُ أَمِيرًا عَلَى الكوفة فصده عنها طلحة بْنُ خُوَيْلِدٍ غَضَبًا لِعُثْمَانَ، فَرَجَعَ إِلَى عَلِيٍّ فَأَخْبَرَهُ، وَانْتَشَرَتِ الْفِتْنَةُ وَتَفَاقَمَ الْأَمْرُ، وَاخْتَلَفَتِ الْكَلِمَةُ، وَكَتَبَ أَبُو مُوسَى إِلَى عَلِيٍّ بِطَاعَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَمُبَايَعَتِهِمْ إِلَّا الْقَلِيلَ مِنْهُمْ، وَبَعَثَ عَلِيٌّ إِلَى مُعَاوِيَةَ كُتُبًا كَثِيرَةً فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ جوابها، وَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مِرَارًا إِلَى الشَّهْرِ الثَّالِثِ مِنْ مَقْتَلِ عُثْمَانَ فِي صَفَرٍ، ثُمَّ بَعَثَ مُعَاوِيَةُ طُومَارًا مَعَ رَجُلٍ فَدَخَلَ بِهِ عَلَى عَلِيٍّ فقال:
مَا وَرَاءَكَ؟ قَالَ جِئْتُكَ مِنْ عِنْدِ قَوْمٍ لَا يُرِيدُونَ إِلَّا الْقَوَدَ كُلُّهُمْ مَوْتُورٌ، تَرَكْتُ سبعين أَلْفَ شَيْخٍ يَبْكُونَ تَحْتَ قَمِيصِ عُثْمَانَ، وَهُوَ عَلَى مِنْبَرِ دِمَشْقَ، فَقَالَ عَلِيٌّ: اللَّهمّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِنْ دَمِ عُثْمَانَ، ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ مُعَاوِيَةَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْ عَلِيٍّ فَهَمَّ بِهِ أُولَئِكَ الْخَوَارِجُ الَّذِينَ قَتَلُوا عُثْمَانَ يُرِيدُونَ قَتْلَهُ، فَمَا أَفْلَتَ إِلَّا بَعْدَ جُهْدٍ. وَعَزَمَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى قِتَالِ أَهْلِ الشَّامِ، وَكَتَبَ إِلَى قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ بِمِصْرَ يَسْتَنْفِرُ النَّاسَ لِقِتَالِهِمْ، وَإِلَى أَبِي مُوسَى بِالْكُوفَةِ: وَبَعَثَ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ بِذَلِكَ، وَخَطَبَ النَّاسَ فَحَثَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ. وَعَزَمَ عَلَى التَّجَهُّزِ، وَخَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَيْهَا قُثَمَ بْنَ الْعَبَّاسِ، وَهُوَ عَازِمٌ أَنْ يُقَاتِلَ بِمَنْ أَطَاعَهُ مَنْ عَصَاهُ وَخَرَجَ عَنْ أَمْرِهِ وَلَمْ يُبَايِعْهُ مَعَ النَّاسِ، وَجَاءَ إِلَيْهِ ابْنُهُ الْحَسَنُ بْنُ على فقال: يا أبتي دَعْ هَذَا فَإِنَّ فِيهِ سَفْكَ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَوُقُوعَ الِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمْ، فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ ذَلِكَ، بَلْ صَمَّمَ عَلَى الْقِتَالِ، وَرَتَّبَ الْجَيْشَ، فَدَفَعَ اللِّوَاءَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ، وَجَعَلَ ابْنَ العباس على الميمنة، وعمرو بْنَ أَبِي سَلَمَةَ عَلَى الْمَيْسَرَةِ، وَقِيلَ جَعَلَ عَلَى الْمَيْسَرَةِ عَمْرَو بْنَ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ، وَجَعَلَ عَلَى مُقَدِّمَتِهِ أَبَا لَيْلَى بْنَ عمرو بْنِ الْجَرَّاحِ ابْنَ أَخِي أَبِي عُبَيْدَةَ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ قُثَمَ بْنَ الْعَبَّاسِ وَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ إِلَّا أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الْمَدِينَةِ قَاصِدًا إلى الشام، حتى جاءه ما شغله عن ذلك كله وهو ما سنورده.
لَمَّا وَقَعَ قَتْلُ عُثْمَانَ بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، كَانَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلّم أمهات المؤمنين قَدْ خَرَجْنَ إِلَى الْحَجِّ فِي هَذَا الْعَامِ فِرَارًا مِنَ الْفِتْنَةِ، فَلَمَّا بَلَغَ النَّاسَ أَنَّ عُثْمَانَ قَدْ قُتِلَ: أَقَمْنَ بِمَكَّةَ بَعْدَ مَا خرجوا منها، ورجعوا إليها وأقاموا بها وجعلوا ينتظرون ما يصنع الناس ويتجسسون الأخبار فلما بويع لعلى وصار حظ النَّاسِ عِنْدَهُ بِحُكْمِ الْحَالِ وَغَلَبَةِ الرَّأْيِ، لَا عَنِ اخْتِيَارٍ مِنْهُ لِذَلِكَ رُءُوسَ أُولَئِكَ الْخَوَارِجِ الَّذِينَ قَتَلُوا عُثْمَانَ، مَعَ أَنَّ عَلِيًّا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ يَكْرَهُهُمْ، وَلَكِنَّهُ تَرَبَّصَ بِهِمُ الدَّوَائِرَ، وَيَوَدُّ لَوْ تَمَكَّنَ مِنْهُمْ لِيَأْخُذَ حَقَّ اللَّهِ مِنْهُمْ، وَلَكِنْ لَمَّا وَقَعَ الْأَمْرُ هَكَذَا وَاسْتَحْوَذُوا عَلَيْهِ، وَحَجَبُوا عَنْهُ عِلْيَةَ الصَّحَابَةِ فَرَّ جَمَاعَةٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَغَيْرِهِمْ إِلَى مَكَّةَ، وَاسْتَأْذَنَهُ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ فِي الِاعْتِمَارِ، فَأَذِنَ لَهُمَا فَخَرَجَا إلى