قَضِيَّةٌ لَمْ تَكُنْ فِي أَيَّامِكَ فَدَعْهَا عَنْكَ، فَوَدَى عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أُولَئِكَ الْقَتْلَى مِنْ مَالِهِ، لِأَنَّ أَمْرَهُمْ إِلَيْهِ، إِذْ لَا وَارِثَ لَهُمْ إِلَّا بَيْتُ الْمَالِ، وَالْإِمَامُ يَرَى الْأَصْلَحَ فِي ذَلِكَ، وَخَلَّى سَبِيلَ عُبَيْدِ اللَّهِ. قَالُوا فَكَانَ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ الْبَيَاضِيُّ إِذَا رَأَى عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ:

أَلَا يَا عُبَيْدَ اللَّهِ مَالَكَ مَهْرَبٌ ... وَلَا مَلْجَأٌ مِنِ ابْنِ أَرْوَى وَلَا خَفَرْ

أَصَبْتَ دَمًا وَاللَّهِ فِي غَيْرِ حِلِّهِ ... حَرَامًا وَقَتْلُ الْهُرْمُزَانِ لَهُ خَطَرْ

عَلَى غَيْرِ شَيْءٍ غَيْرَ أَنْ قَالَ قَائِلٌ ... أَتَتَّهِمُونَ الْهُرْمُزَانَ عَلَى عُمَرَ

فَقَالَ سَفِيهٌ وَالْحَوَادِثُ جَمَّةٌ ... نَعَمْ أَتَّهِمْهُ قَدْ أَشَارَ وَقَدْ أَمَرَ

وَكَانَ سِلَاحُ الْعَبْدِ فِي جَوْفِ بَيْتِهِ ... يُقَلِّبُهَا وَالْأَمْرُ بِالْأَمْرِ يُعْتَبَرْ

قَالَ: فَشَكَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ زِيَادًا إِلَى عُثْمَانَ فَاسْتَدْعَى عُثْمَانُ زِيَادَ بْنَ لَبِيدٍ فَأَنْشَأَ زِيَادٌ يَقُولُ فِي عُثْمَانَ:

أَبَا عَمْرٍو عُبَيْدُ اللَّهِ رَهْنٌ ... فَلَا تَشْكُكْ بِقَتْلِ الْهُرْمُزَانِ

[فَإِنَّكَ إِنْ غَفَرْتَ الْجُرْمَ عَنْهُ ... وَأَسْبَابُ الْخُطَا فَرَسَا رِهَانِ] [1]

أَتَعْفُو إِذْ عَفَوْتَ بِغَيْرِ حَقٍّ ... فَمَا لَكَ بِالَّذِي يُخْلَى يَدَانِ

قَالَ فَنَهَاهُ عُثْمَانُ عَنْ ذَلِكَ وَزَبَرَهُ فَسَكَتَ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ عَمَّا يَقُولُ. ثُمَّ كَتَبَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِلَى عُمَّالِهِ عَلَى الْأَمْصَارِ أُمَرَاءِ الْحَرْبِ، وَالْأَئِمَّةِ عَلَى الصَّلَوَاتِ، وَالْأُمَنَاءِ عَلَى بُيُوتِ الْمَالِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيَحُثُّهُمْ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ، وَيُحَرِّضُهُمْ عَلَى الِاتِّبَاعِ وَتَرْكِ الِابْتِدَاعِ، قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ عَزَلَ عُثْمَانُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ عَنِ الْكُوفَةِ وَوَلَّى عَلَيْهَا سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ فَكَانَ أَوَّلَ عَامِلٍ وَلَّاهُ، لِأَنَّ عُمَرَ قَالَ: فَإِنْ أَصَابَتِ الْإِمْرَةُ سَعْدًا فَذَاكَ، وَإِلَّا فَلْيَسْتَعِنْ بِهِ أَيُّكُمْ وَلِيَ، فَإِنِّي لَمْ أَعْزِلْهُ عَنْ عَجْزٍ وَلَا خِيَانَةٍ. فَاسْتَعْمَلَ سَعْدًا عَلَيْهَا سَنَةً وَبَعْضَ أُخْرَى، ثُمَّ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ سَيْفٍ عَنْ مَجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ فِيمَا ذكره عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ أَوْصَى أَنْ تُقَرَّ عُمَّالُهُ سَنَةً، فَلَمَّا وَلِيَ عُثْمَانُ أَقَرَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ عَلَى الْكُوفَةِ سَنَةً [ثُمَّ عَزَلَهُ، وَاسْتَعْمَلَ سَعْدًا ثُمَّ عَزَلَهُ وَوَلَّى الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: فَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ تَكُونُ وِلَايَةُ سَعْدٍ عَلَى الْكُوفَةِ سَنَةَ] [2] خَمْسٍ وَعِشْرِينَ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ- أَعْنِي سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ- غَزَا الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ أَذْرَبِيجَانَ وَأَرْمِينِيَّةَ حِينَ مَنَعَ أَهْلُهَا مَا كانوا صالحوا عليه أهل الإسلام فِي أَيَّامِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَهَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي مِخْنَفٍ، وَأَمَّا فِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَعِشْرِينَ، ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ: هَاهُنَا هَذِهِ الْوَقْعَةَ وَمُلَخَّصُهَا أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ سَارَ بِجَيْشِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015