أَعِيدُوهُ عَلَيْهِ وَلَا تَجْمَعُوا عَلَيْهِ الْقَتْلَ وَالْعَطَشَ. فَقَالَ: لَا حَاجَةَ لِي فِي الْمَاءِ، إِنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَسْتَأْنِسَ بِهِ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إِنِّي قَاتِلُكَ، فَقَالَ إِنَّكَ أَمَّنْتَنِي. قَالَ: كَذَبْتَ، فَقَالَ أَنَسٌ: صَدَقَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ عمر: ويحك يا أنس أنا أؤمن من قتل مجزأة والبراء؟ لتأتينى بمخرج والا عاقبتك، قَالَ: قُلْتَ لَا بَأْسَ عَلَيْكَ حَتَّى تُخْبِرَنِي. وَقُلْتَ لَا بَأْسَ عَلَيْكَ حَتَّى تَشْرَبَهُ، وَقَالَ لَهُ مَنْ حَوْلَهُ مِثْلَ ذَلِكَ. فَأَقْبَلَ عَلَى الْهُرْمُزَانِ فَقَالَ: خَدَعْتَنِي وَاللَّهِ لَا أَنْخَدِعُ إِلَّا أَنْ تُسْلِمَ. فَأَسْلَمَ فَفَرَضَ لَهُ فِي أَلْفَيْنِ وَأَنْزَلَهُ الْمَدِينَةَ.
وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ التَّرْجُمَانَ بَيْنَ عمرو بن الْهُرْمُزَانِ كَانَ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: قُلْ لَهُ مِنْ أَيِّ أَرْضٍ أَنْتَ؟ قال مِهْرِجَانِيٌّ. قَالَ: تَكَلَّمْ بِحُجَّتِكَ. فَقَالَ: أَكَلَامُ حَيٍّ أَمْ مَيِّتٍ؟ قَالَ: بَلْ كَلَامُ حَيٍّ.
فَقَالَ قَدْ أَمَّنْتَنِي، فَقَالَ خَدَعْتَنِي وَلَا أَقْبَلُ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ تُسْلِمَ. فَأَسْلَمَ فَفَرَضَ لَهُ فِي أَلْفَيْنِ وَأَنْزَلَهُ الْمَدِينَةَ.
ثُمَّ جَاءَ زَيْدٌ فَتَرْجَمَ بَيْنَهُمَا أَيْضًا.
قُلْتُ: وَقَدْ حَسُنَ إِسْلَامُ الْهُرْمُزَانِ وَكَانَ لَا يُفَارِقُ عُمَرَ حَتَّى قُتِلَ عُمَرُ فَاتَّهَمَهُ بَعْضُ النَّاسِ بِمُمَالَأَةِ أَبِي لُؤْلُؤَةَ هُوَ وَجُفَيْنَةُ، فَقَتَلَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْهُرْمُزَانَ وَجُفَيْنَةَ عَلَى مَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ.
وَقَدْ رُوِّينَا أَنَّ الْهُرْمُزَانَ لَمَّا عَلَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بِالسَّيْفِ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَأَمَّا جُفَيْنَةُ فَصَلَّبَ عَلَى وَجْهِهِ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَحْجُرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَتَوَسَّعُوا فِي بِلَادِ الْعَجَمِ خَوْفًا عَلَيْهِمْ مِنَ الْعَجَمِ، حَتَّى أَشَارَ عَلَيْهِ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ بِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ تَقْتَضِي تَوَسُّعَهُمْ فِي الْفُتُوحَاتِ فَإِنَّ الْمَلِكَ يَزْدَجِرْدَ لَا يَزَالُ يَسْتَحِثُّهُمْ عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ لَمْ يستأصل شأو الْعَجَمِ وَإِلَّا طَمِعُوا فِي الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، فَاسْتَحْسَنَ عُمَرُ ذَلِكَ مِنْهُ وَصَوَّبَهُ. وَأَذِنَ لِلْمُسْلِمِينَ فِي التَّوَسُّعِ فِي بِلَادِ الْعَجَمِ، فَفَتَحُوا بِسَبَبِ ذَلِكَ شَيْئًا كَثِيرًا، وللَّه الْحَمْدُ. وَأَكْثَرُ ذَلِكَ وَقَعَ فِي سَنَةِ ثَمَانِي عَشْرَةَ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فيها.
ثم نعود إلى فتح السوس وجندسابور وَفَتْحِ نَهَاوَنْدَ فِي قَوْلِ سَيْفٍ. كَانَ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ أَبَا سَبْرَةَ سَارَ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ عِلْيَةِ الْأُمَرَاءِ مِنْ تُسْتَرَ إِلَى السُّوسِ، فَنَازَلَهَا حِينًا وَقُتِلَ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، فَأَشْرَفَ عَلَيْهِ عُلَمَاءُ أَهْلِهَا فَقَالُوا: يَا مَعْشَرَ المسلمين لا تتبعوا فِي حِصَارِ هَذَا الْبَلَدِ فَإِنَّا نَأْثُرُ فِيمَا نَرْوِيهِ عَنْ قُدَمَائِنَا مِنْ أَهْلِ هَذَا الْبَلَدِ أَنَّهُ لَا يَفْتَحُهُ إِلَّا الدَّجَّالُ أَوْ قَوْمٌ مَعَهُمُ الدَّجَّالُ، وَاتَّفَقَ أَنَّهُ كَانَ فِي جَيْشِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ صَافُ بْنُ صَيَّادٍ، فَأَرْسَلَهُ أبو موسى فيمن يحاصره، فَجَاءَ إِلَى الْبَابِ فَدَقَّهُ بِرِجْلِهِ فَتَقَطَّعَتِ السَّلَاسِلُ، وَتَكَسَّرَتِ الْأَغْلَاقُ، وَدَخَلَ الْمُسْلِمُونَ الْبَلَدَ فَقَتَلُوا مَنْ وَجَدُوا حَتَّى نَادَوْا بِالْأَمَانِ وَدَعَوْا إِلَى الصُّلْحِ فَأَجَابُوهُمْ إِلَى ذَلِكَ، وَكَانَ عَلَى السُّوسِ شَهْرِيَارُ أَخُو الْهُرْمُزَانِ، فَاسْتَحْوَذَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى السُّوسِ، وَهُوَ بَلَدٌ قَدِيمُ الْعِمَارَةِ فِي الْأَرْضِ يُقَالُ إِنَّهُ أَوَّلُ بَلَدٍ وُضِعَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّهُمْ وَجَدُوا قَبْرَ دانيال بالسوس، وأن أبا موسى لما قدم بِهَا بَعْدَ مُضِيِّ أَبِي سَبْرَةَ