وَخَرَجَ عُمَرُ بِنَفْسِهِ مِنَ الْمَدِينَةِ لِيَنْصُرَ أَبَا عبيدة، فبلغ الجابية وقيل إنما بلغ سرع. قَالَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَهُوَ أَشْبَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. فَلَمَّا بَلَغَ أَهْلَ الْجَزِيرَةِ الَّذِينَ مَعَ الرُّومِ عَلَى حِمْصَ أَنَّ الْجَيْشَ قَدْ طَرَقَ بِلَادَهُمْ، انْشَمَرُوا إِلَى بِلَادِهِمْ، وَفَارَقُوا الرُّومَ، وَسَمِعَتِ الرُّومُ بقدوم أمير المؤمنين عمر لينصر نَائِبِهِ عَلَيْهِمْ فَضَعُفَ جَانِبُهُمْ جِدًّا. وَأَشَارَ خَالِدٌ عَلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بِأَنْ يَبْرُزَ إِلَيْهِمْ لِيُقَاتِلَهُمْ، فَفَعَلَ ذَلِكَ أَبُو عُبَيْدَةَ، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَنَصَرَهُ، وَهُزِمَتِ الرُّومُ هَزِيمَةً فَظِيعَةً. وَذَلِكَ قَبْلَ وُرُودِ عُمَرَ عَلَيْهِمْ، وَقَبْلَ وُصُولِ الْأَمْدَادِ إِلَيْهِمْ بِثَلَاثِ لَيَالٍ. فَكَتَبَ أَبُو عُبَيْدَةَ إِلَى عُمَرَ وَهُوَ بِالْجَابِيَةِ يُخْبِرُهُ بِالْفَتْحِ وَأَنَّ الْمَدَدَ وَصَلَ إِلَيْهِمْ بَعْدَ ثَلَاثِ لَيَالٍ وَسَأَلَهُ هَلْ يُدْخِلُهُمْ فِي الْقَسْمِ مَعَهُمْ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ؟ فَجَاءَ الْجَوَابُ بِأَنْ يُدْخِلَهُمْ مَعَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ، فَإِنَّ الْعَدُوَّ إِنَّمَا ضَعُفَ وَإِنَّمَا انْشَمَرَ عَنْهُ الْمَدَدُ مِنْ خَوْفِهِمْ مِنْهُمْ، فَأَشْرَكَهُمْ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي الْغَنِيمَةِ. وَقَالَ عُمَرُ: جَزَى اللَّهُ أَهْلَ الْكُوفَةِ خَيْرًا يَحْمُونَ حَوْزَتَهُمْ وَيَمُدُّونَ أَهْلَ الْأَمْصَارِ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَفِي هَذِهِ السنة فتحت الجزائر فِيمَا قَالَهُ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: فِي ذِي الْحِجَّةِ مِنْ سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ فَوَافَقَ سَيْفَ بْنَ عُمَرَ فِي كَوْنِهَا فِي هَذِهِ السَّنَةِ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: كَانَ ذَلِكَ فِي سَنَةِ تِسْعَ عَشْرَةَ. سَارَ إِلَيْهَا عِيَاضُ بْنُ غَنْمٍ. وَفِي صُحْبَتِهِ أَبُو مُوسَى الأشعري وعمر بن سعد ابن أَبِي وَقَّاصٍ، وَهُوَ غُلَامٌ صَغِيرُ السِّنِّ لَيْسَ إِلَيْهِ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ، وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ. فَنَزَلَ الرُّهَا فَصَالَحَهُ أَهْلُهَا عَلَى الْجِزْيَةِ، وَصَالَحَتْ حَرَّانُ عَلَى ذَلِكَ. ثُمَّ بَعَثَ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ إِلَى نَصِيبِينَ، وَعُمَرَ بْنَ سَعْدٍ إِلَى رَأْسِ الْعَيْنِ، وَسَارَ بِنَفْسِهِ إِلَى دَارَا، فَافْتُتِحَتْ هَذِهِ الْبُلْدَانُ، وَبَعَثَ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ إِلَى إِرْمِينِيَةَ، فَكَانَ عِنْدَهَا شَيْءٌ مِنْ قِتَالٍ قُتِلَ فِيهِ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ شَهِيدًا. ثُمَّ صَالَحَهُمْ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ عَلَى الْجِزْيَةِ، عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ دِينَارٌ.
وَقَالَ سَيْفٌ فِي رِوَايَتِهِ: جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بن عبد الله بن غسان فسلك على رجليه حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْمَوْصِلِ فَعَبَرَ إِلَى بَلَدٍ حَتَّى انْتَهَى إِلَى نَصِيبِينَ، فَلَقُوهُ بِالصُّلْحِ وَصَنَعُوا كَمَا صَنَعَ أَهْلُ الرَّقَّةِ. وَبَعَثَ إِلَى عُمَرَ بِرُءُوسِ النَّصَارَى مِنْ عَرَبِ أَهْلِ الْجَزِيرَةِ، فَقَالَ لَهُمْ عُمَرُ: أَدُّوا الْجِزْيَةَ. فَقَالُوا: أَبْلِغْنَا مَأْمَنَنَا فو الله لَئِنْ وَضَعْتَ عَلَيْنَا الْجِزْيَةَ لَنَدْخُلَنَّ أَرْضَ الرُّومِ، وَاللَّهِ لَتَفْضَحُنَا مِنْ بَيْنِ الْعَرَبِ. فَقَالَ لَهُمْ:
أنتم فضحتم أنفسكم، وخالفتم أمتكم، وو الله لتؤدن الجزية وأنتم صغرة قمئة، وَلَئِنْ هَرَبْتُمْ إِلَى الرُّومِ لَأَكْتُبَنَّ فِيكُمْ، ثُمَّ لَأَسْبِيَنَّكُمْ. قَالُوا: فَخُذْ مِنَّا شَيْئًا وَلَا تُسَمِّيهِ جِزْيَةً. فَقَالَ: أَمَّا نَحْنُ فَنُسَمِّيهِ جِزْيَةً، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَسَمُّوْهُ مَا شِئْتُمْ. فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: أَلَمْ يُضْعِفُ عَلَيْهِمْ سَعْدٌ الصَّدَقَةَ؟
قَالَ: بَلَى: وَأَصْغَى إِلَيْهِ وَرَضِيَ بِهِ مِنْهُمْ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ قَدِمَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى الشام فوصل إلى سرع