بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بصق في بئر فغزر ماؤه، فبصق في بئر فغاض ماؤه بالكلية: وفي أخرى فصار ماؤه أُجَاجًا، وَتَوَضَّأَ وَسَقَى بِوَضُوئِهِ نَخْلًا فَيَبِسَتْ وَهَلَكَتْ، وَأُتِيَ بِوِلْدَانٍ يَبَرِّكُ عَلَيْهِمْ فَجَعَلَ يَمْسَحُ رُءُوسَهُمْ فَمِنْهُمْ مَنْ قُرِعَ رَأْسُهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ لُثِغَ لِسَانُهُ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ دَعَا لِرَجُلٍ أَصَابَهُ وَجَعٌ فِي عَيْنَيْهِ فَمَسَحَهُمَا فَعَمِيَ وَقَالَ سَيْفُ بْنُ عمر عن خليد بن زفر النَّمَرِيِّ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ جَاءَ إِلَى الْيَمَامَةِ فَقَالَ: أَيْنَ مُسَيْلِمَةُ؟ فقال: مَهْ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ: لَا حَتَّى أَرَاهُ، فلما جاء قَالَ: أَنْتَ مُسَيْلِمَةُ؟ فَقَالَ:
نَعَمْ. قَالَ: مَنْ يأتيك؟ قال: رجس، قَالَ: أَفِي نُورٍ أَمْ فِي ظُلْمَةٍ؟ فَقَالَ: فِي ظُلْمَةٍ، فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّكَ كَذَّابٌ وَأَنَّ مُحَمَّدًا صَادِقٌ، وَلَكِنْ كَذَّابُ رَبِيعَةَ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ صَادَقِ مُضَرَ، وَاتَّبَعَهُ هَذَا الْأَعْرَابِيُّ الْجِلْفُ لعنه الله حتى قتل معه يوم عقربا، لا رحمه الله.
كَانَ مِنْ خَبَرِهِمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَدْ بَعَثَ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ إِلَى مَلِكِهَا، الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى العبديّ، وأسلّم عَلَى يَدَيْهِ وَأَقَامَ فِيهِمُ الْإِسْلَامَ وَالْعَدْلَ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تُوُفِّيَ الْمُنْذِرُ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ، وَكَانَ قَدْ حَضَرَ عِنْدَهُ فِي مَرَضِهِ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، فَقَالَ لَهُ: يَا عَمْرُو هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْعَلُ لِلْمَرِيضِ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، الثُّلُثَ، قَالَ: مَاذَا أَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: إِنْ شِئْتَ تَصَدَّقَتْ بِهِ عَلَى أَقْرِبَائِكَ، وَإِنْ شِئْتَ عَلَى الْمَحَاوِيجِ، وَإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَهُ صَدَقَةً مِنْ بَعْدِكَ حَبْسًا مُحَرَّمًا، فَقَالَ:
إِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَجْعَلَهُ كَالْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ والوصيلة والحام، وَلَكِنِّي أَتَصَدَّقُ بِهِ، فَفَعَلَ، وَمَاتَ فَكَانَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ يَتَعَجَّبُ مِنْهُ، فَلَمَّا مَاتَ الْمُنْذِرُ ارْتَدَّ أَهْلُ الْبَحْرَيْنِ وَمَلَّكُوا عَلَيْهِمُ الْغَرُورَ، وَهُوَ المنذر ابن النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ. وَقَالَ قَائِلُهُمْ: لَوْ كَانَ مُحَمَّدٌ نَبِيًّا مَا مَاتَ، وَلَمْ يَبْقَ بِهَا بَلْدَةٌ عَلَى الثَّبَاتِ سِوَى قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا جواثا، كَانَتْ أَوَّلَ قَرْيَةٍ أَقَامَتِ الْجُمُعَةَ مِنْ أَهْلِ الرِّدَّةِ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَدْ حَاصَرَهُمُ الْمُرْتَدُّونَ وَضَيَّقُوا عَلَيْهِمْ، حَتَّى مُنِعُوا مِنَ الْأَقْوَاتِ وَجَاعُوا جَوْعًا شَدِيدًا حَتَّى فَرَّجَ اللَّهُ، وَقَدْ قَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَذَفٍ، أَحَدُ بَنِي بَكْرِ بْنِ كِلَابٍ، وَقَدِ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْجُوعُ: -
أَلَا أَبْلِغْ أَبَا بَكْرٍ رَسُولًا ... وَفِتْيَانَ الْمَدِينَةِ أَجَمْعِينَا
فَهَلْ لَكَمُ إِلَى قَوْمٍ كِرَامٍ ... قعود في جواثا مُحْصَرِينَا
كَأَنَّ دِمَاءَهُمْ فِي كُلِّ فَجٍّ ... شُعَاعُ الشَّمْسِ يَغْشَى النَّاظِرِينَا
تَوَكَّلْنَا عَلَى الرَّحْمَنِ إِنَّا ... قد وَجَدْنَا الصَّبْرَ لِلْمُتَوَكِّلِينَا
وَقَدْ قَامَ فِيهِمْ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ، وَهُوَ الْجَارُودُ بْنُ الْمُعَلَّى- وَكَانَ ممن هاجروا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَطِيبًا وَقَدْ جَمَعَهُمْ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ عَبْدِ الْقَيْسِ، إِنِّي سَائِلُكُمْ عَنْ أَمْرٍ فَأَخْبِرُونِي إِنْ علمتموه،