قَالَ: ثُمَّ رَفَعُوهُ عَلَى خَشَبَةٍ فَلَمَّا أَوْثَقُوهُ قَالَ: اللَّهمّ إِنَّا قَدْ بَلَّغْنَا رِسَالَةَ رَسُولِكَ فَبِلِّغْهُ الْغَدَاةَ مَا يُصْنَعُ بِنَا، ثُمَّ قَالَ: اللَّهمّ احْصِهِمْ عَدَدًا وَاقْتُلْهُمْ بِدَدًا وَلَا تُغَادِرْ منهم أحدا، ثم قتلوه. وكان معاوية ابن أَبِي سُفْيَانَ يَقُولُ: حَضَرْتُهُ يَوْمَئِذٍ فِيمَنْ حَضَرَهُ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يُلْقِينِي إِلَى الْأَرْضِ فَرَقًا مِنْ دَعْوَةِ خُبَيْبٍ، وَكَانُوا يَقُولُونَ إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا دُعِيَ عَلَيْهِ فَاضْطَجَعَ لِجَنْبِهِ زلت عنه. وَفِي مَغَازِي مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ: أَنَّ خُبَيْبًا وَزَيْدَ بْنَ الدَّثِنَةِ قُتِلَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُمِعَ يَوْمَ قُتِلَا وَهُوَ يَقُولُ وَعَلَيْكُمَا أَوْ عَلَيْكَ السَّلَامُ خُبَيْبٌ قَتَلَتْهُ قُرَيْشٌ. وَذَكَرَ أَنَّهُمْ لَمَّا صَلَبُوا زَيْدَ بْنَ الدَّثِنَةِ رَمَوْهُ بِالنَّبْلِ لِيَفْتِنُوهُ عَنْ دِينِهِ فَمَا زَادَهُ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا. وَذَكَرَ عُرْوَةُ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ أَنَّهُمْ لَمَّا رَفَعُوا خُبَيْبًا عَلَى الْخَشَبَةِ نَادَوْهُ يُنَاشِدُونَهُ أَتُحِبُّ أَنَّ مُحَمَّدًا مَكَانَكَ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ الْعَظِيمِ مَا أُحِبُّ أَنْ يَفْدِيَنِي بِشَوْكَةٍ يُشَاكَهَا فِي قَدَمِهِ فَضَحِكُوا مِنْهُ. وَهَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي قِصَّةِ زَيْدِ بْنِ الدَّثِنَةِ فاللَّه أَعْلَمُ. قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: زَعَمُوا أَنَّ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ دَفَنَ خُبَيْبًا. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ عَبَّادٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: وَاللَّهِ ما أنا قتلت خبيبا لأنا كُنْتُ أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَبَا مَيْسَرَةَ أَخَا بَنِي عَبْدِ الدَّارِ أَخَذَ الْحَرْبَةَ فَجَعَلَهَا فِي يَدِي ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي وَبِالْحَرْبَةِ ثُمَّ طَعَنَهُ بِهَا حَتَّى قَتَلَهُ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا قَالَ:
كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ اسْتَعْمَلَ سَعِيدَ بْنَ عَامِرِ بْنِ حِذْيَمٍ الْجُمَحِيَّ عَلَى بَعْضِ الشَّامِ فَكَانَتْ تُصِيبُهُ غَشْيَةٌ وَهُوَ بَيْنُ ظَهْرَيِ الْقَوْمِ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِعُمَرَ وَقِيلَ إِنَّ الرَّجُلَ مُصَابٌ، فَسَأَلَهُ عُمَرُ فِي قَدْمَةٍ قَدِمَهَا عَلَيْهِ فَقَالَ:
يَا سَعِيدُ مَا هَذَا الَّذِي يُصِيبُكَ؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا بِي مِنْ بَأْسٍ وَلَكِنِّي كُنْتُ فِيمَنْ حَضَرَ خُبَيْبَ بْنَ عَدِيٍّ حِينَ قُتِلَ وسمعت دعوته فو الله مَا خَطَرَتْ عَلَى قَلْبِي وَأَنَا فِي مَجْلِسٍ قط إلا غشي عليّ.