وَلَكِّنَّا لَا نَرَى أَنْ يَكُونَ قِتَالٌ. فَلَمَّا اسْتَعْصُوا عَلَيْهِ وَأَبَوْا إِلَّا الِانْصِرَافَ قَالَ: أَبْعَدَكُمُ اللَّهُ أَعْدَاءَ اللَّهِ فَسَيُغْنِي اللَّهُ عَنْكُمْ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قُلْتُ: وَهَؤُلَاءِ الْقَوْمُ هُمُ الْمُرَادُونَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَالله أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ 3: 167 يَعْنِي أَنَّهُمْ كَاذِبُونَ فِي قَوْلِهِمْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ، وَذَلِكَ لِأَنَّ وُقُوعَ الْقِتَالِ أَمْرُهُ ظَاهِرٌ بَيِّنٌ وَاضِحٌ لَا خَفَاءَ وَلَا شَكَّ فِيهِ وَهُمُ الَّذِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَالله أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا 4: 88 الآية وَذَلِكَ أَنَّ طَائِفَةً قَالَتْ نُقَاتِلُهُمْ وَقَالَ آخَرُونَ لَا نُقَاتِلُهُمْ كَمَا ثَبَتَ وَبُيِّنَ فِي الصَّحِيحِ. وَذَكَرَ الزُّهْرِيُّ أَنَّ الْأَنْصَارَ اسْتَأْذَنُوا حِينَئِذٍ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الِاسْتِعَانَةِ بِحُلَفَائِهِمْ مِنْ يَهُودِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ لَا حَاجَةَ لنا فيهم. وذكر عروة بن موسى بْنُ عُقْبَةَ أَنَّ بَنِي سَلِمَةَ وَبَنِي حَارِثَةَ لَمَّا رَجَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ وَأَصْحَابُهُ هَمَّتَا أَنْ تَفْشَلَا فَثَبَّتَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَلِهَذَا قَالَ إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَالله وَلِيُّهُما وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ 3: 122 قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ وَاللَّهُ يَقُولُ وَالله وَلِيُّهُما 3: 122 كما ثبت فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَمَضَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى سَلَكَ فِي حَرَّةِ بَنِي حَارِثَةَ فَذَبَّ فَرَسٌ بذنبه فأصلب كُلَّابَ سَيْفٍ فَاسْتَلَّهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَاحِبِ السَّيْفِ شِمْ سَيْفَكَ أَيْ أَغْمِدْهُ فَإِنِّي أُرَى السُّيُوفَ سُتُسَلُّ الْيَوْمَ. ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: مَنْ رَجُلٌ يَخْرُجُ بِنَا عَلَى الْقَوْمِ مِنْ كَثَبٍ (أَيْ مِنْ قَرِيبٍ) مِنْ طَرِيقٍ لَا يَمُرُّ بِنَا عَلَيْهِمْ فَقَالَ أَبُو خَيْثَمَةَ أَخُو بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَنَفَذَ بِهِ فِي حَرَّةِ بَنِي حَارِثَةَ وَبَيْنَ أَمْوَالِهِمْ حَتَّى سَلَكَ بِهِ فِي مَالٍ لِمِرْبَعِ بْنِ قَيْظِيٍّ وَكَانَ رَجُلًا مُنَافِقًا ضَرِيرَ الْبَصَرِ فَلَّمَا سَمِعَ حِسَّ رَسُولِ اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَامَ يَحْثِي فِي وُجُوهِهِمُ التُّرَابَ وَيَقُولُ إِنْ كُنْتَ رَسُولَ اللَّهِ فَإِنِّي لَا أُحِلُّ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ فِي حَائِطِي. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَقَدْ ذُكِرَ لِي أنه أخذ حفنة من التراب فِي يَدِهِ ثُمَّ قَالَ وَاللَّهِ لَوْ أَعْلَمُ أَنِّي لَا أُصِيبُ بِهَا غَيْرَكَ يَا مُحَمَّدُ لَضَرَبْتُ بِهَا وَجْهَكَ فَابْتَدَرَهُ الْقَوْمُ لِيَقْتُلُوهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَقْتُلُوهُ، فَهَذَا الْأَعْمَى أَعْمَى الْقَلْبِ أَعْمَى الْبَصَرِ، وَقَدْ بَدَرَ إِلَيْهِ سَعْدُ بْنُ زَيْدٍ أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ قَبْلَ نَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَرَبَهُ بِالْقَوْسِ فِي رَأْسِهِ فَشَجَّهُ وَمَضَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَلَ الشِّعْبَ مِنْ أُحُدٍ في عدوة الوادي وفي الْجَبَلِ وَجَعَلَ ظَهْرَهُ وَعَسْكَرَهُ إِلَى أُحُدٍ وَقَالَ لا يقاتلنّ أحد حتى آمره بِالْقِتَالِ وَقَدْ سَرَّحَتْ قُرَيْشٌ الظَّهْرَ وَالْكُرَاعَ فِي زروع كانت بالصمغة من قناة كانت لِلْمُسْلِمِينَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ حِينَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْقِتَالِ أَتُرْعَى زُرُوعُ بَنِيَ قَيْلَةَ وَلَمَّا نُضَارِبْ؟ وَتَعَبَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْقِتَالِ وَهُوَ فِي سَبْعِمِائَةِ رَجُلٍ وَأَمَّرَ عَلَى الرُّمَاةِ يَوْمَئِذٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ أَخَا بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَهُوَ مُعَلَّمٌ يَوْمَئِذَ بثياب بيض والرماة خمسون رجلا فقال النضح الْخَيْلَ عَنَّا بِالنَّبْلِ لَا يَأْتُونَا مِنْ خَلْفِنَا إِنْ كَانَتْ لَنَا أَوْ عَلَيْنَا فَاثْبُتْ مَكَانَكَ