فصل في قدوم زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُهَاجِرَةً مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ بِشَهْرٍ بِمُقْتَضَى مَا كَانَ شَرَطَ زَوْجُهَا أَبُو الْعَاصِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا تَقَدَّمَ

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَلَمَّا رَجَعَ أَبُو الْعَاصِ إِلَى مَكَّةَ وَقَدْ خُلِّيَ سبيله- يعنى كما تقدم- بعث رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَرَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ مَكَانَهُ فَقَالَ كُونَا بِبَطْنِ يأجج حتى تمر بكما زينب فتصحباها فَتَأْتِيَانِي بِهَا، فَخَرَجَا مَكَانَهُمَا وَذَلِكَ بَعْدَ بَدْرٍ بِشَهْرٍ- أَوْ شَيْعِهِ [1]- فَلَمَّا قَدِمَ أَبُو الْعَاصِ مَكَّةَ أَمَرَهَا بِاللُّحُوقِ بِأَبِيهَا فَخَرَجَتْ تَجَهَّزُ: قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ حُدِّثْتُ عَنْ زَيْنَبَ أَنَّهَا قَالَتْ بَيْنَا أَنَا أَتَجَهَّزُ لَقِيَتْنِي هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ فَقَالَتْ يَا ابْنَةَ مُحَمَّدٍ أَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّكِ تُرِيدِينَ اللُّحُوقَ بِأَبِيكِ قَالَتْ فَقُلْتُ مَا أَرَدْتُ ذَلِكَ، فَقَالَتْ أَيِ ابْنَةَ عَمِّ لَا تَفْعَلِي إن كان لَكِ حَاجَةٌ بِمَتَاعٍ مِمَّا يَرْفُقُ بِكِ فِي سَفَرِكِ أَوْ بِمَالٍ تَتَبَلَّغِينَ بِهِ إِلَى أَبِيكِ فَإِنَّ عِنْدِي حَاجَتَكِ فَلَا تَضْطَنِي مِنِّي فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ بَيْنَ النِّسَاءِ مَا بَيْنَ الرِّجَالِ، قَالَتْ وَاللَّهِ مَا أَرَاهَا قَالَتْ ذَلِكَ إِلَّا لِتَفْعَلَ، قَالَتْ وَلَكِنِّي خِفْتُهَا فَأَنْكَرْتُ أَنْ أَكُونَ أُرِيدُ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فَتَجَهَّزَتْ فَلَمَّا فَرَغَتْ مِنْ جَهَازِهَا قَدَّمَ إِلَيْهَا أَخُو زَوْجِهَا كِنَانَةُ بْنُ الرَّبِيعِ بَعِيرًا فَرَكِبَتْهُ وَأَخَذَ قَوْسَهُ وَكِنَانَتَهُ ثُمَّ خَرَجَ بِهَا نَهَارًا يَقُودُ بِهَا وَهِيَ فِي هَوْدَجٍ لَهَا وَتَحَدَّثَ بِذَلِكَ رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ فَخَرَجُوا فِي طَلَبِهَا حَتَّى أَدْرَكُوهَا بذي طوى وكان أَوَّلَ مَنْ سَبَقَ إِلَيْهَا هَبَّارُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنُ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى الفهري فَرَوَّعَهَا هَبَّارٌ بِالرُّمْحِ وَهِيَ فِي الْهَوْدَجِ وَكَانَتْ حَامِلًا فِيمَا يَزْعُمُونَ فَطَرَحَتْ وَبَرَكَ حَمُوهَا كِنَانَةُ وَنَثَرَ كِنَانَتَهُ ثُمَّ قَالَ وَاللَّهِ لَا يَدْنُو مِنِّي رَجُلٌ إِلَّا وَضَعْتُ فِيهِ سَهْمًا فَتَكَرْكَرَ النَّاسُ عَنْهُ وَأَتَى أَبُو سُفْيَانَ فِي جِلَّةٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالَ يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ كُفَّ عَنَّا نَبْلَكَ حَتَّى نُكَلِّمَكَ، فَكَفَّ فَأَقْبَلَ أَبُو سُفْيَانَ حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ إِنَّكَ لَمْ تُصِبْ خَرَجْتَ بِالْمَرْأَةِ عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ عَلَانِيَةً وَقَدْ عَرَفْتَ مُصِيبَتَنَا وَنَكْبَتَنَا وَمَا دُخِلَ عَلَيْنَا مِنْ مُحَمَّدٍ فَيَظُنُّ النَّاسُ إِذْ خَرَجْتَ بِابْنَتِهِ إِلَيْهِ عَلَانِيَةً عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ مِنْ بَيْنِ أظهرنا إن ذلك عن ذلك أصابنا وإن ذلك ضعف منا ووهن ولعمري ما لنا بحبسها من أبيها من حاجة وما لنا من ثورة. وَلَكِنِ ارْجِعْ بِالْمَرْأَةِ حَتَّى إِذَا هَدَأَتِ الْأَصْوَاتُ وَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنْ قَدْ رَدَدْنَاهَا فَسُلَّهَا سِرًّا وَأَلْحِقْهَا بِأَبِيهَا، قَالَ فَفَعَلَ. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ أُولَئِكَ النَّفَرَ الَّذِينَ رَدُّوا زَيْنَبَ لَمَّا رَجَعُوا إِلَى مَكَّةَ قَالَتْ هِنْدُ تَذُمُّهُمْ عَلَى ذَلِكَ:

أَفِي السِّلْمِ أَعْيَارٌ جَفَاءً وَغِلْظَةً ... وَفِي الْحَرْبِ أَشْبَاهُ النِّسَاءِ الْعَوَارِكِ

وَقَدْ قِيلَ إِنَّهَا قَالَتْ ذَلِكَ لِلَّذِينِ رَجَعُوا مِنْ بَدْرٍ بعد ما قُتِلَ مِنْهُمُ الَّذِينَ قُتِلُوا. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ:

فأقامت ليال حَتَّى إِذَا هَدَأَتِ الْأَصْوَاتُ خَرَجَ بِهَا لَيْلًا حَتَّى أَسْلَمَهَا إِلَى زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَصَاحِبِهِ فَقَدِمَا بِهَا لَيْلًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن عروة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015