يهلكون إلا أنفسهم وَمَا يَشْعُرُونَ) وهذا اللفظ وهو قوله (وهم) يدل على أن المراد بهذا جماعة وهم المذكورون في سياق الكلام وقوله: (وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون) يَدُلُّ عَلَى تَمَامِ الذَّمِّ.
وَأَبُو طَالِبٍ لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ بَلْ كَانَ يَصُدُّ النَّاسَ عَنْ أَذِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ بِكُلِّ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ فِعَالٍ وَمَقَالٍ، وَنَفْسٍ وَمَالٍ.
وَلَكِنْ مَعَ هَذَا لَمْ يقدِّر اللَّهُ لَهُ الْإِيمَانَ لِمَا لَهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنَ الْحِكْمَةِ الْعَظِيمَةِ، وَالْحُجَّةِ الْقَاطِعَةِ الْبَالِغَةِ الدَّامِغَةِ التِي يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهَا وَالتَّسْلِيمُ لَهَا، وَلَوْلَا مَا نَهَانَا اللَّهُ عَنْهُ مِنَ الِاسْتِغْفَارِ لِلْمُشْرِكِينَ لَاسْتَغْفَرْنَا لِأَبِي طَالِبٍ وَتَرَحَّمْنَا عليه (?) .
فصل موت خديجة بنت خويلد وذكر شئ من فضائلها ومناقبها رضي الله عنه وَأَرْضَاهَا، وَجَعَلَ جَنَّاتِ الْفِرْدَوْسِ مُنْقَلَبَهَا وَمَثْوَاهَا.
وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ بِخَبَرِ الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ حَيْثُ بشَّرها بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ.
قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: حدَّثنا أَبُو صَالِحٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: وَقَدْ كَانَتْ خَدِيجَةُ تُوُفِّيَتْ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلَاةُ.
ثُمَّ رَوَى مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: تُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ بِمَكَّةَ قَبْلَ خُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَقَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلَاةُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: مَاتَتْ خَدِيجَةُ وَأَبُو طَالِبٍ فِي عَامٍ وَاحِدٍ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: بَلَغَنِي أَنَّ خَدِيجَةَ تُوُفِّيَتْ بَعْدَ مَوْتِ أبي طالب بثلاثة أيام.
ذكره عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَنْدَهْ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ، وَشَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَزَعَمَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ خَدِيجَةَ وَأَبَا طَالِبٍ مَاتَا قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ عَامَ خَرَجُوا مِنَ الشِّعْبِ، وَأَنَّ خَدِيجَةَ تُوُفِّيَتْ قَبْلَ أَبِي طَالِبٍ بخمس وثلاثين ليلة (?) .