فَبَعَثَ إِلَيْهِ أَبُو طَالِبٍ، فَجَاءَهُ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي هَؤُلَاءِ أَشْرَافُ قَوْمِكَ قَدِ اجْتَمَعُوا إليك لِيُعْطُوكَ وَلِيَأْخُذُوا مِنْكَ.

قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم: " نَعَمْ (?) كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ تعطونها تَمْلِكُونَ بِهَا الْعَرَبَ وَتَدِينُ لَكُمْ بِهَا الْعَجَمُ ".

فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: نَعَمْ وَأَبِيكَ، وَعَشْرَ كَلَمَّاتٍ.

قَالَ: " تَقُولُونَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَتَخْلَعُونَ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دونه ".

فَصَفَّقُوا بِأَيْدِيهِمْ.

ثمَّ قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ أَتُرِيدُ أَنْ تَجْعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً؟ ! إِنَّ أَمْرَكَ لَعَجَبٌ.

قَالَ: ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنَّهُ وَاللَّهِ مَا هَذَا الرَّجُلُ بِمُعْطِيكُمْ شَيْئًا مِمَّا تُرِيدُونَ، فَانْطَلِقُوا وَامْضُوا عَلَى دِينِ آبَائِكُمْ، حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ، ثُمَّ تَفَرَّقُوا.

قَالَ فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: وَاللَّهِ يَا ابْنَ أَخِي، مَا رَأَيْتُكَ سَأَلْتَهُمْ شَطَطًا.

قَالَ: فَطَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ فَجَعَلَ يقول له: " أي عمْ، فأنت قلها أستحل لك بها الشفاعة يوم القيامة " فَلَمَّا رَأَى حِرْصَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي وَاللَّهِ لَوْلَا مَخَافَةُ السُّبَّةِ عَلَيْكَ وَعَلَى بَنِي أَبِيكَ مِنْ بَعْدِي، وَأَنْ تَظُنَّ قُرَيْشٌ أَنِّي إِنَّمَا قُلْتُهَا جَزَعًا مِنَ الْمَوْتِ لَقُلْتُهَا، لَا أَقُولُهَا إِلَّا لِأَسُرَّكَ بِهَا.

قَالَ: فَلَمَّا تَقَارَبَ مِنْ أَبِي طَالِبٍ الْمَوْتُ نَظَرَ الْعَبَّاسُ إِلَيْهِ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ، فَأَصْغَى إِلَيْهِ بِأُذُنِهِ، قَالَ فَقَالَ: يَا بان أَخِي وَاللَّهِ لَقَدْ قَالَ أَخِي الْكَلِمَةَ التِي أَمَرْتَهُ أَنْ يَقُولَهَا.

قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم: " لَمْ أَسْمَعْ " قَالَ وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أُولَئِكَ الرَّهْطِ: (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وشقاق) [ص: 1 - 2]

الْآيَاتِ.

وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى ذَلِكَ فِي التَّفْسِيرِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ (?) .

وَقَدِ اسْتَدَلَّ بَعْضُ مَنْ ذَهَبَ مِنَ الشِّيعَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْغُلَاةِ إلى أن أبا طالب مات مسلما يقول الْعَبَّاسِ هَذَا الْحَدِيثَ، يَا ابْنَ أَخِي، لَقَدْ قَالَ أَخِي الْكَلِمَةَ التِي أَمَرْتَهُ أَنْ يَقُولَهَا - " يَعْنِي لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ - وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا مِنْ وُجُوهٍ.

أَحَدُهَا: أَنَّ فِي السَّنَدِ مبهماً لا يعرف حاله وهو قول عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ وَهَذَا إِبْهَامٌ فِي الِاسْمِ وَالْحَالِ، وَمِثْلُهُ يُتَوَقَّفُ فِيهِ لَوِ انْفَرَدَ.

وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ نَحْوًا مِنْ هَذَا السِّيَاقِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُسَامَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ حدَّثنا عَبَّادٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جبير فَذَكَرَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ الْعَبَّاسِ.

وَرَوَاهُ الثَّوْرِيُّ أَيْضًا عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ الْكُوفِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَذَكَرَهُ بِغَيْرِ زِيَادَةِ قَوْلِ الْعَبَّاسِ.

وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ أَيْضًا (?) .

وَلَفْظُ الْحَدِيثِ مِنْ سِيَاقِ الْبَيْهَقِيِّ فِيمَا رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.

قَالَ: مَرِضَ أَبُو طَالِبٍ فَجَاءَتْ قُرَيْشٌ وجاء النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلم عند رأس أبي طالب، فجلس رَجُلٍ (?) فَقَامَ أَبُو جَهْلٍ كَيْ يَمْنَعَهُ ذَاكَ.

وَشَكَوْهُ إِلَى أَبِي طَالِبٍ.

فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي مَا تُرِيدُ مِنْ قَوْمِكَ؟ فَقَالَ: " يَا عم إنما أريد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015