عزوجل، وَقَدْ بَلَّغْتُ وَنَصَحْتُ فَاقْبَلُوا نَصِيحَتِي، وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبع الْهُدَى.
فَكَتَبَ النَّجَاشِيُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، إِلَى محمَّد رَسُولِ اللَّهِ مِنَ النَّجَاشِيِّ الْأَصْحَمِ بْنِ أَبْجَرَ سَلَامٌ عَلَيْكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الَّذِي هَدَانِي إِلَى الْإِسْلَامِ، فَقَدْ بَلَغَنِي كِتَابُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِيمَا ذَكَرْتَ مِنْ أَمْرِ عِيسَى، فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ عِيسَى مَا يَزِيدُ عَلَى مَا ذَكَرْتَ، وَقَدْ عَرَفْنَا مَا بَعَثْتَ بِهِ إِلَيْنَا وقرينا ابْنَ عَمِّكَ وَأَصْحَابَهُ فَأَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ صادقاً ومصدقاً وَقَدْ بَايَعْتُكَ وَبَايَعْتُ ابْنَ عَمِّكَ وَأَسْلَمْتُ عَلَى يَدَيْهِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَقَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ بِأَرِيحَا بْنِ الْأَصْحَمِ بْنِ أَبْجَرَ فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَإِنْ شِئْتَ أَنْ آتِيَكَ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنَّ مَا تَقُولُ حَقٌّ (?) .
فَصْلٌ فِي ذِكْرِ مُخَالَفَةِ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فِي نَصْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَحَالُفِهِمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ عَلَيْهِمْ، عَلَى أَنْ لَا يُبَايِعُوهُمْ وَلَا يُنَاكِحُوهُمْ حَتَّى يسلِّموا إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَصْرِهِمْ إِيَّاهُمْ فِي شَعْبِ أَبِي طَالِبٍ مُدَّةً طَوِيلَةً، وَكِتَابَتِهِمْ بِذَلِكَ صَحِيفَةً ظَالِمَةً فَاجِرَةً، وَمَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مِنْ آيَاتِ النُّبُوَّةِ وَدَلَائِلِ الصِّدْقِ.
قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنِ الزُّهري: ثُمَّ إِنَّ الْمُشْرِكِينَ اشْتَدُّوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَأَشَدِّ مَا كَانُوا حَتَّى بَلَغَ المسلمين الجهد، واشتد عليهم البلاء، وجمعت قُرَيْشٌ فِي مَكْرِهَا أَنْ يَقْتُلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَانِيَةً.
فَلَمَّا رَأَى أَبُو طَالِبٍ عَمَلَ الْقَوْمِ جَمَعَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُدْخِلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
شِعْبَهُمْ، وَأَمَرَهَمْ أَنْ يَمْنَعُوهُ ممن أرادوا قتله.
فاجتمع عَلَى ذَلِكَ مُسْلِمُهُمْ وَكَافِرُهُمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ فَعَلَهُ حَمِيَّةً، وَمِنْهُمْ مَنْ فَعَلَهُ إِيمَانًا وَيَقِينًا.
فَلَمَّا عَرَفَتْ قُرَيْشٌ أَنَّ الْقَوْمَ قَدْ مَنَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَجْمَعُوا (?) عَلَى ذَلِكَ، اجْتَمَعَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيْشٍ فَأَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ أَنْ لَا يُجَالِسُوهُمْ وَلَا يُبَايِعُوهُمْ وَلَا يَدْخُلُوا بُيُوتَهُمْ حَتَّى يسلَّموا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْقَتْلِ، وَكَتَبُوا (?) فِي مَكْرِهِمْ صَحِيفَةً وَعُهُودًا وَمَوَاثِيقَ لَا يَقْبَلُوا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ صلحاً أبداً ولا يأخذهم بِهِمْ رَأْفَةٌ حَتَّى يُسْلِمُوهُ لِلْقَتْلِ.
فَلَبِثَ بَنُو هَاشِمٍ فِي شِعْبِهِمْ ثَلَاثَ سِنِينَ (?) ، وَاشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الْبَلَاءُ وَالْجَهْدُ وَقَطَعُوا عَنْهُمُ الْأَسْوَاقَ فَلَا يَتْرُكُوا لهم طعاما