وقال تعالى: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وسوف تسألون) [الزُّخْرُفِ: 44] .
وَقَالَ تَعَالَى: (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ) [القصص: 88] .
أَيْ إِنَّ الذي فرض عليك وأوجب عليك بتبليغ القرآن لرادك إلى دار الْآخِرَةِ وَهِيَ الْمَعَادُ، فَيَسْأَلُكَ عَنْ ذَلِكَ.
كَمَا قال تعالى: (فو ربك لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) والآيات والأحاديث في هذا كثيرة جداً.
وَقَدْ تَقَصَّيْنَا الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِنَا التفسير، وبسطنا من القول في ذلك عند قوله تعالى فِي سورة الشعراء: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) .
وَأَوْرَدْنَا أَحَادِيثَ جمَّة فِي ذَلِكَ، فَمِنْ ذَلِكَ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) أَتَى النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّفَا فَصَعِدَ عَلَيْهِ ثُمَّ نَادَى " يَا صَبَاحَاهُ " فَاجْتَمَعَ النَّاس إليه بين رجل يجئ إِلَيْهِ وَبَيْنَ رَجُلٍ يَبْعَثُ رَسُولَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَا بَنِي فِهْرٍ، يَا بَنِي كعب أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا بِسَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ صَدَّقْتُمُونِي؟ " قَالُوا نَعَمْ! قَالَ: " فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ " فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ - لَعَنَهُ اللَّهُ - تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ أَمَا دَعَوْتَنَا إِلَّا لهذا؟ وأنزل الله عزوجل: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ) [المسد: 1] وَأَخْرَجَاهُ من حديث الأعمش به نحوه (?) .
وقال أَحْمَدُ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا زَائِدَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
قَالَ: لَمَّا نزلت هذه الآية: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرَيْشًا فعمَّ وخصَّ.
فَقَالَ: " يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا مَعْشَرَ بَنِي كَعْبٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا مَعْشَرَ بَنِي هَاشِمٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا مَعْشَرَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ أَنْقِذِي نَفْسَكِ مِنَ النَّارِ، فَإِنِّي وَاللَّهِ لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِلَّا أَنَّ لَكُمْ رَحِمًا سأبلها ببلائها " (?) وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَأَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ
حَدِيثِ الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَهُ طُرُقٌ أُخَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ أيضاً حدثنا وكيع بن هشام عن أبيه