كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِذَا جَاءَهُ الْوَحْيُ يحمرُّ وَجْهُهُ وَيَغِطُّ كَمَا يَغِطُّ الْبَكْرُ مِنَ الْإِبِلِ وَيَتَفَصَّدُ جَبِينُهُ عَرَقًا فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ.

وَقَوْلُهُ فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خَدِيجَةَ يَرْجُفُ فُؤَادُهُ.

وَفِي رِوَايَةٍ: بَوَادِرُهُ، جَمْعُ بَادِرَةٍ قَالَ أَبُو عبيدة: وَهِيَ لَحْمَةٌ بَيْنَ الْمَنْكِبِ وَالْعُنُقِ.

وَقَالَ غَيْرُهُ: هو عُرُوقٌ تَضْطَّرِبُ عِنْدَ الْفَزَعِ وَفِي

بَعْضِ الرِّوايات تَرْجُفُ بَآدِلُهُ وَاحِدَتُهَا بَادِلَةٌ.

وَقِيلَ بَادِلٌ، وَهُوَ مَا بَيْنَ الْعُنُقِ وَالتَّرْقُوَةِ وَقِيلَ أَصِلُ الثَّدْيِ.

وَقِيلَ لَحْمُ الثَّدْيَيْنِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.

فَقَالَ: " زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي " فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ قَالَ لخديجة: " مالي؟ أي شئ عَرَضَ لِي؟ " وَأَخْبَرَهَا مَا كَانَ مِنَ الْأَمْرِ.

ثُمَّ قَالَ: " لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي " (?) وَذَلِكَ لأنه شاهد أمراً لم يهده قَبْلَ ذَلِكَ، وَلَا كَانَ فِي خَلَدِهِ.

وَلِهَذَا قَالَتْ خَدِيجَةُ: أَبْشِرْ، كَلَّا وَاللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا.

قِيلَ مِنَ الْخِزْيِ، وَقِيلَ مِنَ الْحُزْنِ، وَهَذَا لِعِلْمِهَا بِمَا أَجْرَى اللَّهُ بِهِ جَمِيلَ الْعَوَائِدِ فِي خُلُقِهِ أَنَّ مَنْ كَانَ مُتَّصِفًا بِصِفَاتِ الْخَيْرِ لَا يُخْزَى فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ ثُمَّ ذَكَرَتْ لَهُ مِنْ صِفَاتِهِ الْجَلِيلَةِ مَا كَانَ مِنْ سَجَايَاهُ الْحَسَنَةِ.

فَقَالَتْ: إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وتصدُق الْحَدِيثَ - وَقَدْ كَانَ مَشْهُورًا بِذَلِكَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمُوَافِقِ وَالْمُفَارِقِ - وَتَحْمِلُ الْكَلَّ.

أَيْ عَنْ غَيْرِكَ تُعْطِي صَاحِبَ الْعَيْلَةِ مَا يُرِيحُهُ مِنْ ثِقَلِ مُؤْنَةِ عِيَالِهِ - وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ أَيْ تَسْبِقُ إِلَى فِعْلِ الْخَيْرِ فَتُبَادِرُ إِلَى إِعْطَاءِ الْفَقِيرِ فَتَكْسِبُ حَسَنَتَهُ قَبْلَ غَيْرِكَ.

وَيُسَمَّى الْفَقِيرُ مَعْدُومًا لِأَنَّ حَيَاتَهُ نَاقِصَةٌ.

فَوُجُودُهُ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ: ليسَ مَنْ ماتَ فاستراحَ بميتٍ * إِنَّمَا الميتُ ميِّتُ الْأَحْيَاءِ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ التِّهَامِيُّ، فِيمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: عدَّ ذَا الْفَقْرِ مَيِّتًا وكساهُ * كَفَنًا بَالِيًا وَمَأْوَاهُ قَبْرَا وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: الصَّوَابُ (وَتُكْسِبُ الْمُعْدَمَ) أَيْ تَبْذُلُ إِلَيْهِ أَوْ يَكُونُ تكسب المعدم بعطيته (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015