الله لما أراد هدي زيد بن سعية قال زيد لم يبق شئ من علامات النُّبوة إِلَّا وَقَدْ عَرَفْتُهَا فِي وَجْهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ نَظَرْتُ إِلَيْهِ إِلَّا اثْنَتَيْنِ لَمْ أُخْبَرْهُمَا مِنْهُ: يَسْبِقُ حِلْمُهُ جَهْلَهُ، ولا يزيده شِدَّةُ الْجَهْلِ عَلَيْهِ إِلَّا حِلْمًا.
قَالَ فَكُنْتُ أَتَلَطَّفُ لَهُ لِأَنْ أُخَالِطَهُ فَأَعْرِفَ حِلْمَهُ وَجَهْلَهُ، فَذَكَرَ قِصَّةَ إِسْلَافِهِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم مالاً في ثمرة، قَالَ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ أَتَيْتُهُ فَأَخَذْتُ بِمَجَامِعِ قَمِيصِهِ وَرِدَائِهِ - وَهُوَ فِي جِنَازَةٍ مَعَ أَصْحَابِهِ - وَنَظَرْتُ إِلَيْهِ بِوَجْهٍ غَلِيظٍ، وَقُلْتُ: يَا مُحَمَّدُ أَلَا تَقْضِينِي حَقِّي؟ فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُكُمْ بَنِي
عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَمُطْلٌ، قَالَ فَنَظَرَ إِلَيَّ عُمَرُ وَعَيْنَاهُ يَدُورَانِ فِي وَجْهِهِ كَالْفَلَكِ الْمُسْتَدِيرِ.
ثُمَّ قَالَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ أَتَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَسْمَعُ، وَتَفْعَلُ مَا أَرَى؟ فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَوْلَا مَا أحاذر لومه لَضَرَبْتُ بِسَيْفِي رَأْسَكَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ إِلَى عُمَرَ فِي سُكُونٍ وَتُؤَدَةٍ وَتَبَسُّمٍ.
ثُمَّ قَالَ: " أَنَا وَهُوَ كُنَّا أَحْوَجَ إِلَى غَيْرِ هَذَا مِنْكَ يَا عُمَرُ، أَنْ تَأْمُرَنِي بِحُسْنِ الْأَدَاءِ، وَتَأْمُرَهُ بِحُسْنِ التِّبَاعَةِ، اذْهَبْ بِهِ يَا عُمَرُ فَاقْضِهِ حَقَّهُ.
وَزِدْ عشرين صاعا من ثمر " فأسلم زيد بن سعية رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَشَهِدَ بَقِيَّةَ الْمَشَاهِدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتُوُفِّيَ، عَامَ تَبُوكَ رَحِمَهُ اللَّهُ.
ثمَّ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ رَحِمَهُ اللَّهُ:
فَقَالَ حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ.
قَالَ حَدَّثَنِي سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ - مِنْ فِيهِ - قَالَ: كُنْتُ رَجُلًا فَارِسِيًّا مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ مِنْ أَهْلِ قرية يقال لها جي (?) وَكَانَ أَبِي دِهْقَانَ (?) قَرْيَتِهِ وَكُنْتُ أَحَبَّ خَلْقِ الله إليه، فلم يَزَلْ حُبُّهُ إِيَّايَ حَتَّى حَبَسَنِي فِي بَيْتِهِ كَمَا تُحْبَسُ الْجَارِيَةُ، وَاجْتَهَدْتُ فِي الْمَجُوسِيَّةِ، حَتَّى كُنْتُ قَطِنَ (?) النَّارِ الَّتِي يُوقِدُهَا لَا يَتْرُكُهَا تخبو ساعة.
قال وكانت لابي ضيمة عَظِيمَةٌ، قَالَ فَشُغِلَ فِي بُنْيَانٍ لَهُ يَوْمًا فَقَالَ لِي يَا بُنَيَّ إِنِّي قَدْ شُغِلْتُ فِي بُنْيَانِي هَذَا الْيَوْمَ عَنْ ضَيْعَتِي، فَاذْهَبْ إِلَيْهَا فَاطَّلِعْهَا، وَأَمَرَنِي فِيهَا بِبَعْضِ مَا يُرِيدُ.
ثُمَّ قَالَ لِي وَلَا تَحْتَبِسْ عَنِّي فَإِنَّكَ إِنِ احْتَبَسْتَ عَنِّي كُنْتَ أَهَمَّ إِلَيَّ مَنْ ضيعتي، وشغلتني عن كل شئ مِنْ أَمْرِي.
قَالَ فَخَرَجْتُ أُرِيدُ ضَيْعَتَهُ الَّتِي بَعَثَنِي إِلَيْهَا، فَمَرَرْتُ بِكَنِيسَةٍ مِنْ كَنَائِسِ النَّصَارَى فَسَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ فِيهَا وَهُمْ يُصَلُّونَ.
وَكُنْتُ لَا أَدْرِي مَا أَمْرُ النَّاسِ، لِحَبْسِ أَبِي إِيَّايَ فِي بَيْتِهِ، فَلَمَّا سَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ دَخَلْتُ عَلَيْهِمْ أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُونَ فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ أَعْجَبَتْنِي صَلَاتُهُمْ وَرَغِبَتْ فِي أَمْرِهِمْ.
وَقُلْتُ هَذَا وَاللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدِّينِ الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ، فَوَاللَّهِ مَا بَرِحْتُهُمْ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَتَرَكْتُ ضَيْعَةَ أَبِي فَلَمْ آتِهَا.
ثمَّ قُلْتُ لَهُمْ أَيْنَ أَصْلُ هَذَا الدِّينِ؟ قَالُوا بِالشَّامِ، فَرَجَعْتُ إِلَى أَبِي وَقَدْ بَعَثَ فِي طَلَبِي، وَشَغَلْتُهُ عَنْ أَمْرِهِ كُلِّهِ.
فَلَمَّا جِئْتُ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ أَيْنَ كنت ألم أكن أعهد إليك ما عهدته؟ قال قلت