يُغْنِيهِ وَلَا فِي شَارِفِنَا مَا يُغَذِّيهِ.
وَلَكِنَّا كُنَّا نَرْجُو الْغَيْثَ وَالْفَرَجَ.
فَخَرَجْتُ عَلَى أَتَانِي تِلْكَ فَلَقَدْ أَذَمَّتْ بِالرَّكْبِ حتَّى شقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ ضَعْفًا وَعَجَفًا.
فَقَدِمْنَا مَكَّةَ فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ مِنَّا امْرَأَةً إِلَّا وَقَدْ عُرِضَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَأْبَاهُ إذا قيل إنه يتيم، تركناه.
قلنا مَاذَا عَسَى أَنْ تَصْنَعَ إِلَيْنَا أُمُّهُ؟ إِنَّمَا نَرْجُو الْمَعْرُوفَ مِنْ أَبِي الْوَلَدِ، فَأَمَّا أُمُّهُ فَمَاذَا عَسَى أَنْ تَصْنَعَ إِلَيْنَا، فَوَاللَّهِ مَا بَقِيَ مِنْ صَوَاحِبِي امْرَأَةٌ إِلَّا أَخَذَتْ رَضِيعًا غَيْرِي.
فَلَمَّا لَمْ نَجِدْ غَيْرَهُ وَأَجْمَعْنَا الِانْطِلَاقَ قُلْتُ لِزَوْجِي الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى وَاللَّهِ إني لَأَكْرَهُ أَنْ أَرْجِعَ مِنْ بَيْنِ صَوَاحِبِي لَيْسَ مَعِيَ رَضِيعٌ.
لَأَنْطَلِقَنَّ إِلَى ذَلِكَ الْيَتِيمِ فَلْآخُذَنَّهُ.
فَقَالَ لَا عَلَيْكِ أَنْ تَفْعَلِي فَعَسَى أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَنَا فِيهِ بَرَكَةً.
فَذَهَبْتُ فَأَخَذَتْهُ فَوَاللَّهِ مَا أَخَذْتُهُ إِلَّا أَنِّي لَمْ أَجِدْ غَيْرَهُ، فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ أَخَذْتُهُ فَجِئْتُ بِهِ رَحْلِي فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ ثَدْيَايَ بِمَا شَاءَ مِنْ لَبَنٍ.
فَشَرِبَ حَتَّى رَوِيَ وَشَرِبَ أَخُوهُ حَتَّى رَوِيَ.
وَقَامَ صَاحِبِي إِلَى شَارِفِنَا تِلْكَ فَإِذَا إِنَّهَا لَحَافِلٌ، فَحَلَبَ مَا شَرِبَ وَشَرِبْتُ حَتَّى رَوِينَا.
فَبِتْنَا بِخَيْرِ لَيْلَةٍ.
فَقَالَ صَاحِبِي حِينَ أَصْبَحْنَا: يَا حَلِيمَةُ وَاللَّهِ إِنِّي لِأَرَاكِ قَدْ أَخَذْتِ نَسَمَةً مُبَارَكَةً.
أَلَمْ تَرَيْ مَا بِتْنَا بِهِ اللَّيْلَةَ مِنَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ حِينَ أخذناه.
فلم يزل الله عزوجل يَزِيدُنَا خَيْرًا.
ثُمَّ خَرَجْنَا رَاجِعِينَ إِلَى بِلَادِنَا فوالله لقطعت أتأتي بِالرَّكْبِ حَتَّى مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حِمَارٌ حَتَّى إِنَّ صَوَاحِبِي لَيَقُلْنَ: وَيْلَكِ يَا بِنْتَ أَبِي ذُؤَيْبٍ هَذِهِ أَتَانُكِ الَّتِي خَرَجْتِ عَلَيْهَا مَعَنَا؟ فأقول نعم والله إنها لهي فقلن وَاللَّهِ إِنَّ لَهَا لَشَأْنًا.
حَتَّى قَدِمْنَا أَرْضَ بَنِي سَعْدٍ.
وَمَا أَعْلَمُ أَرْضًا مِنْ أَرْضِ اللَّهِ أَجْدَبَ مِنْهَا فَإِنْ كَانَتْ غَنَمِي لَتَسْرَحُ ثم تروح شباعاً لبناً فتحلب مَا شِئْنَا وَمَا حَوَالَيْنَا أَوْ حَوْلَنَا أَحَدٌ تبض له شاة بقطرة لين وَإِنَّ أَغْنَامَهُمْ لَتَرُوحَ جِيَاعًا حَتَّى إِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ لرعائهم - أَوْ لِرُعْيَانِهِمْ - وَيْحَكُمُ انْظُرُوا
حَيْثُ تَسْرَحُ غَنَمُ بِنْتِ أَبِي ذُؤَيْبٍ فَاسْرَحُوا مَعَهُمْ.
فَيَسَرَحُونَ مَعَ غَنَمِي حَيْثُ تَسْرَحُ فَتَرُوحُ أَغْنَامُهُمْ جِيَاعًا مَا فِيهَا قَطْرَةُ لَبَنٍ وَتَرُوحُ أَغْنَامِي شِبَاعًا لَبَنًا نَحْلِبُ مَا شِئْنَا.
فَلَمْ يَزَلِ اللَّهُ يُرِينَا البركة نتعرفها حتى بلغ سنتين فَكَانَ يَشِبُّ شَبَابًا لَا تَشِبُّهُ الْغِلْمَانُ.
فَوَاللَّهِ مَا بَلَغَ السَّنَتَيْنِ حَتَّى كَانَ غُلَامًا جَفْرًا (?) فقدمنا به على أمه ونحن أضن شئ بِهِ مِمَّا رَأَيْنَا فِيهِ مِنَ الْبَرَكَةِ.
فَلَمَّا رأته أمه قلت لها دَعِينَا نَرْجِعُ بِابْنِنَا هَذِهِ السَّنَةَ الْأُخْرَى فَإِنَّا نَخْشَى عَلَيْهِ وَبَاءَ (?) مَكَّةَ.
فَوَاللَّهِ مَا زِلْنَا بها حتى قالت نعم.
فَسَرَّحَتْهُ مَعَنَا فَأَقَمْنَا بِهِ شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً (?) .
فبينما هُوَ خَلْفَ بُيُوتِنَا مَعَ أَخٌ لَهُ مِنْ الرضاعة في بهم لنا جاء أَخُوهُ ذَلِكَ يَشْتَدُّ، فَقَالَ ذَاكَ أَخِي الْقُرَشِيُّ جَاءَهُ رَجُلَانِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ فَأَضْجَعَاهُ فَشَقَّا بَطْنَهُ.
فَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُوهُ نَشْتَدُّ نَحْوَهُ فَنَجِدُهُ فائما مُنْتَقِعًا لَوْنُهُ.
فَاعْتَنَقَهُ أَبُوهُ وَقَالَ يَا بَنِيَّ مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ جَاءَنِي رَجُلَانِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ أَضْجَعَانِي وَشَقَّا بَطْنِي ثُمَّ اسْتَخْرَجَا مِنْهُ شَيْئًا فَطَرَحَاهُ ثُمَّ رَدَّاهُ كَمَا كَانَ فَرَجَعْنَا بِهِ مَعَنَا.
فَقَالَ أَبُوهُ يَا حَلِيمَةُ لِقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ ابْنِي قَدْ أُصِيبَ فَانْطَلِقِي بنا نرده