السَّبْتِ السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ صَفَرٍ إِلَى الْمَيْدَانِ الْأَخْضَرِ لِلِاجْتِمَاعِ بِنَائِبِ السَّلْطَنَةِ، وَكَانَ اجْتَمَاعُنَا بَعْدَ الْعَصْرِ يَوْمَئِذٍ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ لَعِبِ الْكُرَةِ، فَرَأَيْتُ مِنْهُ أُنْسًا كَثِيرًا، وَرَأَيْتُهُ كَامِلَ الرَّأْيِ وَالْفَهْمِ، حَسَنَ الْعِبَارَةِ كَرِيمَ الْمُجَالَسَةِ، فَذَكَرْتُ لَهُ أَنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ اعْتِمَادُهُ فِي النَّصَارَى، فَقَالَ: إِنَّ بَعْضَ فُقَهَاءِ مِصْرَ أَفْتَى لِلْأَمِيرِ الْكَبِيرِ بِذَلِكَ، فَقُلْتُ لَهُ: هَذَا مِمَّا لَا يَسُوغُ شَرْعًا، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُفْتِيَ بِهَذَا، وَمَتَى كَانُوا بَاقِينَ عَلَى الذِّمَّةِ يُؤَدُّونَ إِلَيْنَا الْجِزْيَةَ مُلْتَزِمِينَ بِالذِّلَّةِ وَالصَّغَارِ، وَأَحْكَامُ الْمِلَّةِ قَائِمَةٌ، لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُمُ الدِّرْهَمُ الْوَاحِدُ - الْفَرْدُ - فَوْقَ مَا يَبْذُلُونَهُ مِنَ الْجِزْيَةِ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَخْفَى عَلَى الْأَمِيرِ فَقَالَ: كَيْفَ أَصْنَعُ وَقَدْ وَرَدَ الْمَرْسُومُ بِذَلِكَ وَلَا يُمْكِنُنِي أَنْ أُخَالِفَهُ؟ وَذَكَرْتُ لَهُ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً مما ينبغي اعتماده في حق أهل قبرص مِنَ الْإِرْهَابِ وَوَعِيدِ الْعِقَابِ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا يَتَوَعَّدُهُمْ بِهِ، كَمَا قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ: " ائْتُونِي بِالسِّكِّينِ أَشُقَّهُ نِصْفَيْنِ " كَمَا هُوَ الْحَدِيثُ مَبْسُوطٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ، فَجَعَلَ يُعْجِبُهُ هَذَا جِدًّا، وَذَكَرَ أن هذا كان في قبله وَأَنِّي كَاشَفْتُهُ بِهَذَا، وَأَنَّهُ كَتَبَ بِهِ مُطَالَعَةً إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَسَيَأْتِي جَوَابُهَا بَعْدَ عَشَرَةِ أيام، فتجئ
حَتَّى تَقِفَ عَلَى الْجَوَابِ، وَظَهَرَ مِنْهُ إِحْسَانٌ وَقَبُولٌ وَإِكْرَامٌ زَائِدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ.
ثُمَّ اجْتَمَعْتُ به في دار السعادة في أوائل الشهر رَبِيعٍ الْأَوَّلِ فَبَشَّرَنِي أَنَّهُ قَدْ رُسِمَ بِعَمَلِ الشَّوَانِي وَالْمَرَاكِبِ لِغَزْوِ الْفِرَنْجِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
ثُمَّ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِ الْأَحَدِ طُلِبَ النَّصَارَى الَّذِينَ اجْتَمَعُوا فِي كَنِيسَتِهِمْ إِلَى بَيْنِ يَدَيْهِ وَهُمْ قَرِيبٌ مِنْ أَرْبَعِمِائَةٍ فَحَلَّفَهُمْ كَمْ أَمْوَالُهُمْ وَأَلْزَمَهُمْ بِأَدَاءِ الرُّبُعِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
وَقَدْ أَمَرُوا إِلَى الْوُلَاةِ بِإِحْضَارِ مَنْ فِي مُعَامَلَتِهِمْ، وَوَالِي الْبَرِّ (?) قَدْ خَرَجَ إِلَى الْقَرَايَا بِسَبَبِ ذَلِكَ، وَجُرِّدَتْ أُمَرَاءُ إِلَى النَّوَاحِي لِاسْتِخْلَاصِ الْأَمْوَالِ مِنَ النَّصَارَى فِي الْقُدْسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَفِي أَوَّلِ شَهْرِ رَبِيعٍ الأول كان سفر قاضي القضاة تقي الدِّينِ السُّبْكِيِّ الشَّافِعِيِّ إِلَى الْقَاهِرَةِ.
وَفِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ خَامِسِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ اجْتَمَعْتُ بِنَائِبِ السَّلْطَنَةِ بِدَارِ السَّعَادَةِ وَسَأَلْتُهُ عَنْ جَوَابِ الْمُطَالَعَةِ، فذُكر لِي أَنَّهُ جَاءَ الْمَرْسُومُ الشَّرِيفُ السُّلْطَانِيُّ بِعَمَلِ الشواني والمراكب لغزو قبرص، وَقِتَالِ الْفِرَنْجِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَأَمَرَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ بِتَجْهِيزِ الْقَطَّاعِينَ وَالنَّشَّارِينَ مِنْ دِمَشْقَ إِلَى الغابة التي بالقرب من بيروت، وأن يشرغ؟ في عمل الشواني في آخِرِ يَوْمٍ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ، وَهُوَ يَوْمُ الجمعة، وفتحت دار القرآن التي وقفها الشريف التعاداني إلى جانب حمام الكلس، شَمَالِيَّ الْمَدْرَسَةِ الْبَادَرَائِيَّةِ، وَعُمِلَ فِيهَا وَظِيفَةُ حَدِيثٍ وحضر وَاقِفِهَا يَوْمِيَّةُ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجِ الدِّينِ السُّبْكِيِّ انتهى والله أعلم.