أَكْثَرُهُمْ، وَنَزَلَ إِلَيْهِمْ أَهْلُ الْبِيرَةِ فَقَتَلُوا مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا وَأَسَرُوا آخَرِينَ، وَالْجُيُوشُ فِي آثَارِهِمْ يَطْرُدُونَهُمْ عَنِ الْبِلَادِ حَتَّى أَرَاحَ اللَّهُ مِنْهُمُ النَّاسَ.

وَقَدِ اسْتُشْهَدَ فِي هَذِهِ الْوَقْعَةِ جَمَاعَةٌ مِنْ سَادَاتِ الْأُمَرَاءِ مِنْهُمُ الْأَمِيرُ الْكَبِيرُ الْحَاجُّ عز الدين ازدمر جمدار، وَهُوَ الَّذِي جَرَحَ مَلِكَ التَّتَارِ يَوْمَئِذٍ مَنْكُوتَمُرَ، فإنه خاطر بنفسه وأوهم أنه مقفز إِلَيْهِ وَقَلَبَ رُمْحَهُ حَتَّى وَصَلَ إِلَيْهِ فَطَعَنَهُ فجرحه فقتلوه رحمه الله، وَدُفِنَ بِالْقُرْبِ مِنْ مَشْهَدِ خَالِدٍ.

وَخَرَجَ السُّلْطَانُ مِنْ دِمَشْقَ قَاصِدًا الدِّيَارَ الْمِصْرِيَّةَ يَوْمَ الْأَحَدِ ثَانِي شَعْبَانَ وَالنَّاسُ يَدْعُونَ لَهُ، وَخَرَجَ مَعَهُ علم الدين الدويداري، ثم عاد من غزة وقد ولاه المشد فِي الشَّامِ وَالنَّظَرَ فِي الْمَصَالِحِ، وَدَخَلَ السُّلْطَانُ إِلَى مِصْرَ فِي ثَانِي عَشَرَ (?) شَعْبَانَ.

وَفِي سَلْخِ (?) شَعْبَانَ وَلَّى قَضَاءَ مِصْرَ وَالْقَاهِرَةِ لِلْقَاضِي وَجِيهِ الدِّينِ الْبَهْنَسِيِّ الشَّافِعِيِّ، وَفِي يَوْمِ الْأَحَدِ سَابِعِ رَمَضَانَ فُتِحَتِ الْمَدْرَسَةُ الْجَوْهَرِيَّةُ بِدِمَشْقَ فِي حَيَاةِ مُنْشِئِهَا وَوَاقِفِهَا الشَّيْخِ نَجْمِ الدِّينِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ أَبِي الْمَكَارِمِ التَّمِيمِيِّ الْجَوْهَرِيِّ، وَدَرَّسَ بِهَا قَاضِي الْحَنَفِيَّةِ حُسَامُ الدِّينِ الرَّازِيُّ.

وَفِي بُكْرَةِ يَوْمِ السَّبْتِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شعبان وقعت مأذنة مَدْرَسَةِ أَبِي عُمَرَ بِقَاسِيُونَ عَلَى الْمَسْجِدِ الْعَتِيقِ فَمَاتَ شَخْصٌ وَاحِدٌ، وَسَلَّمَ اللَّهُ تَعَالَى بَقِيَّةَ الْجَمَاعَةِ.

وَفِي عَاشِرِ رَمَضَانَ وَقَعَ بِدِمَشْقَ ثَلْجٌ عَظِيمٌ وَبَرَدٌ كَثِيرٌ مَعَ هَوَاءٍ شَدِيدٍ، بِحَيْثُ إِنَّهُ ارْتَفَعَ عَنِ الْأَرْضِ نَحْوًا مِنْ ذِرَاعٍ، وَفَسَدَتِ الْخَضْرَاوَاتُ، وَتَعَطَّلَ عَلَى النَّاسِ مَعَايِشُ كَثِيرَةٌ.

وَفِي شَوَّالٍ وَصَلَ صَاحِبُ سِنْجَارَ إِلَى دِمَشْقَ مقفزاً مِنَ التَّتَارِ دَاخِلًا فِي طَاعَةِ السُّلْطَانِ بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ، فَتَلَقَّاهُ نَائِبُ الْبَلَدِ وَأَكْرَمَهُ وَسَيَّرَهُ إِلَى مِصْرَ مُعَزَّزًا مُكَرَّمًا.

وَفِي شَوَّالٍ عُقِدَ مَجْلِسٌ بِسَبَبِ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنَ الْكُتَّابِ الَّذِينَ كَانُوا قَدْ أَسْلَمُوا كُرْهًا وَقَدْ كَتَبَ لَهُمْ جَمَاعَةٌ من المفتيين بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُكْرَهِينَ فَلَهُمُ الرُّجُوعُ إِلَى دِينِهِمْ، وَأُثْبِتَ الْإِكْرَاهُ بَيْنَ يَدَيِ الْقَاضِي جَمَالِ الدِّينِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ الْمَالِكِيِّ، فَعَادَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى دِينِهِمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْجِزْيَةُ كَمَا كَانُوا، سَوَّدَ اللَّهُ وُجُوهَهُمْ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ.

وَقِيلَ: إِنَّهُمْ غَرِمُوا مَالًا جَزِيلًا جُمْلَةً مُسْتَكْثَرَةً عَلَى ذَلِكَ، قَبَّحَهُمُ اللَّهُ.

وَفِي ذِي الْقَعْدَةِ قَبَضَ السُّلْطَانُ عَلَى أَيْتَمُشَ السَّعْدِيِّ وَسَجَنَهُ بِقَلْعَةِ الْجَبَلِ، وَقَبَضَ نَائِبُهُ بِدِمَشْقَ عَلَى سَيْفِ الدِّينِ بَلَبَانَ الْهَارُونِيِّ وَسَجَنَهُ بِقَلْعَتِهَا.

وَفِي بُكْرَةِ الْخَمِيسِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ، وَهُوَ الْعَاشِرُ مِنْ آذَارَ، اسْتَسْقَى النَّاسُ بِالْمُصَلَّى بِدِمَشْقَ فَسُقُوا بَعْدَ عَشْرَةِ أَيَّامٍ.

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ أَخْرَجَ الْمَلِكُ الْمَنْصُورُ جَمِيعَ آلِ الْمَلِكِ الظَّاهِرِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ وَالْخُدَّامِ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ إِلَى الْكَرَكِ لِيَكُونُوا فِي كَنَفِ الْمَلِكِ الْمَسْعُودِ خَضِرِ بن الظاهر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015