ابْنُ السَّاعِي الْمُؤَرِّخُ (?) تَاجُ الدِّينِ بْنُ الْمُحْتَسِبِ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ السَّاعِي الْبَغْدَادِيُّ، وُلِدَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ وَسَمِعَ الْحَدِيثَ وَاعْتَنَى بِالتَّارِيخِ، وَجَمَعَ وَصَنَّفَ، وَلَمْ يَكُنْ بِالْحَافِظِ وَلَا الضَّابِطِ الْمُتْقِنِ.
وَقَدْ أَوْصَى إِلَيْهِ ابْنُ النَّجَّارِ حِينَ تُوُفِّيَ، وَلَهُ تَارِيخٌ كَبِيرٌ عِنْدِي أَكْثَرُهُ، وَمُصَنَّفَاتٌ أُخَرُ مُفِيدَةٌ، وَآخِرُ مَا صَنَّفَ كِتَابٌ فِي الزُّهَّادِ، كَتَبَ فِي حَاشِيَتِهِ زَكِيُّ الدِّينِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَبِيبٍ الْكَاتِبُ: مَا زَالَ تَاجُ الدِّينِ طُولَ المدى * من عمره يعتق فِي السَّيْرِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ وَتَدْوِينِهِ * وَفِعْلُهُ نَفْعُ بِلَا ضَيْرِ عَلَا عَلِيٌّ بِتَصَانِيفِهِ * وَهَذِهِ خَاتِمَةُ الْخَيْرِ ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ وستمائة فِي ثَالِثَ عَشَرَ (?) الْمُحَرَّمِ مِنْهَا دَخَلَ السُّلْطَانُ إِلَى دِمَشْقَ وَسَبَقَ الْعَسَاكِرَ إِلَى بِلَادِ حَلَبَ، فَلَمَّا تَوَافَتْ إِلَيْهِ أَرْسَلَ بَيْنَ يَدَيْهِ الْأَمِيرَ بَدْرَ الدِّينِ الْأَتَابِكِيَّ بِأَلْفِ فَارِسٍ إِلَى الْبُلُسْتَيْنِ (?) ، فَصَادَفَ بِهَا جَمَاعَةً مِنْ عَسْكَرِ الرُّومِ فَرَكِبُوا إِلَيْهِ وَحَمَلُوا إِلَيْهِ الْإِقَامَاتِ، وَطَلَبَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يَدْخُلُوا بِلَادَ الْإِسْلَامِ فَأَذِنَ لَهُمْ، فَدَخَلَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ بَيْجَارُ وَابْنُ الْخَطِيرِ، فَرَسَمَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوا الْقَاهِرَةَ فَتَلَقَّاهُمُ الْمَلِكُ السَّعِيدُ، ثُمَّ عَادَ السُّلْطَانُ مِنْ حَلَبَ إِلَى الْقَاهِرَةِ فَدَخَلَهَا فِي ثَانِي عَشَرَ رَبِيعٍ الْآخِرِ.
وَفِي خَامِسِ جُمَادَى الْأُولَى عَمِلَ السُّلْطَانُ عُرْسَ وَلَدِهِ الْمَلِكِ السَّعِيدِ عَلَى بِنْتِ قَلَاوُونَ، وَاحْتَفَلَ السُّلْطَانُ بِهِ احْتِفَالًا عَظِيمًا، وَرَكِبَ الْجَيْشُ فِي الْمَيْدَانِ خَمْسَةَ أَيَّامٍ يَلْعَبُونَ وَيَتَطَارَدُونَ،
وَيَحْمِلُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، ثُمَّ خَلَعَ عَلَى الْأُمَرَاءِ وَأَرْبَابِ الْمَنَاصِبِ، وَكَانَ مبلغ ما خلع ألف وثلثمائة خِلْعَةٍ بِمِصْرَ، وَجَاءَتْ مَرَاسِيمُهُ إِلَى الشَّامِ بِالْخِلَعِ عَلَى أَهْلِهَا، وَمَدَّ السُّلْطَانُ سِمَاطًا عَظِيمًا حَضَرَهُ الخاص والعام، والشارد والوارد، وحبس فِيهِ رُسُلُ التَّتَارِ وَرُسُلُ الْفِرِنْجِ وَعَلَيْهِمْ كُلِّهِمُ الْخِلَعُ الْهَائِلَةُ، وَكَانَ وَقْتًا مَشْهُودًا، وَحَمَلَ صَاحِبُ حَمَاةَ هَدَايَا عَظِيمَةً وَرَكِبَ إِلَى مِصْرَ لِلتَّهْنِئَةِ.
وَفِي حَادِي عَشَرَ شَوَّالٍ طِيفَ بِالْمَحْمَلِ وَبِكُسْوَةِ الْكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ بِالْقَاهِرَةِ، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا.
وَقْعَةُ الْبُلُسْتَيْنِ وَفَتْحُ قَيْسَارِيَّةَ رَكِبَ السُّلْطَانُ مِنْ مِصْرَ فِي الْعَسَاكِرِ فَدَخَلَ دِمَشْقَ فِي سَابِعَ عَشَرَ شوال، فأقام بها ثلاثة