وساق الأمير ركن الدين بيبرس فِي أَصْحَابِهِ إِلَى نَاحِيَةِ غَزَّةَ، فَاسْتَدْعَاهُ الْمَلِكُ الْمُظَفَّرُ قُطُزُ إِلَيْهِ وَاسْتَقْدَمَهُ عَلَيْهِ، وَأَقْطَعَهُ قَلْيُوبَ، وَأَنْزَلَهُ بِدَارِ الْوِزَارَةِ وَعَظُمَ شَأْنُهُ لَدَيْهِ، وَإِنَّمَا كَانَ حَتْفُهُ عَلَى يَدَيْهِ.

وقعة عين جالوت

وَقْعَةُ عَيْنِ جَالُوتَ اتفق وُقُوعُ هَذَا كُلِّهِ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، فَمَا مَضَتْ سِوَى ثَلَاثَةُ أيَّام حَتَّى جَاءَتِ الْبِشَارَةُ بِنُصْرَةِ الْمُسْلِمِينَ على التتار بعين جالوت، وذلك أن الملك المظفر قطز صاحب مصر لَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ التَّتَارَ قَدْ فَعَلُوا بِالشَّامِ ما ذكرنا، وقد نبهوا الْبِلَادَ كُلَّهَا حَتَّى وَصَلُوا إِلَى غَزَّةَ، وَقَدْ عزموا على الدخول إلى مصر، وَقَدْ عَزَمَ الْمَلِكُ النَّاصِرُ صَاحِبُ دِمَشْقَ عَلَى الرَّحِيلِ إِلَى مِصْرَ، وَلَيْتَهُ فَعَلَ، وَكَانَ فِي صُحْبَتِهِ الْمَلِكُ الْمَنْصُورُ صَاحِبُ حَمَاةَ وَخَلْقٌ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَأَبْنَاءِ الْمُلُوكِ، وَقَدْ وَصَلَ إِلَى

قَطْيَةَ وأكرم الملك المظفر قطز صاحب حماه ووعده ببلده ووفاه له، ولم يدخل الملك الناصر مصر بل كر رَاجِعًا إِلَى نَاحِيَةِ تِيهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَدَخَلَ عامة من كان معه إلى مصر، ولو دخل كَانَ أَيْسَرَ عَلَيْهِ مِمَّا صَارَ إِلَيْهِ، وَلَكِنَّهُ خاف منهم لأجل العداوة فَعَدَلَ إِلَى نَاحِيَةِ الْكَرَكِ فَتَحَصَّنَ بِهَا وَلَيْتَهُ اسْتَمَرَّ فِيهَا، وَلَكِنَّهُ قَلِقَ فَرَكِبَ نَحْوَ الْبَرِّيَّةِ - وَلَيْتَهُ ذَهَبَ فِيهَا - وَاسْتَجَارَ بِبَعْضِ أُمَرَاءِ الْأَعْرَابِ، فقصدته التتار وأتلفوا ما هنالك من الأموال وخربوا الديار وَقَتَلُوا الْكِبَارَ وَالصِّغَارَ وَهَجَمُوا عَلَى الْأَعْرَابِ الَّتِي بتلك النواحي فقتلوا منهم خلقاً وسبوا من نسلهم ونسائهم، وَقَدِ اقْتَصَّ مِنْهُمُ الْعَرَبُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَأَغَارُوا عَلَى خَيْلِ جِشَارِهِمْ فِي نِصْفِ شَعْبَانَ فَسَاقُوهَا بأسرها، فساقت وراءهم التتار فلم يدركوا لهم الْغُبَارَ وَلَا اسْتَرَدُّوا مِنْهُمْ فَرَسًا وَلَا حِمَارًا، وَمَا زَالَ التَّتَارُ وَرَاءَ النَّاصِرِ حَتَّى أَخَذُوهُ عند بركة زيزي وَأَرْسَلُوهُ مَعَ وَلَدِهِ الْعَزِيزِ وَهُوَ صَغِيٌرٌ وَأَخِيهِ إلى ملكهم هولاكو خان وهو نازل على حلب، فما زالوا فِي أَسْرِهِ حَتَّى قَتَلَهُمْ فِي السَّنَةِ الْآتِيَةِ كما سنذكره.

والمقصود أن المظفر قطز لَمَّا بَلَغَهُ (?) مَا كَانَ مِنْ أَمْرِ التَّتَارِ بِالشَّامِ الْمَحْرُوسَةِ وَأَنَّهُمْ عَازِمُونَ عَلَى الدُّخُولِ إِلَى ديار مصر بعد تمهيد ملكهم بالشام، بادرهم قبل أن يبادروه وبرز إليهم وَأَقْدَمَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ أَنْ يُقْدِمُوا عَلَيْهِ، فَخَرَجَ في عساكره وقد اجتمعت الكلمة عليه، حتى انتهى إِلَى الشَّامِ وَاسْتَيْقَظَ لَهُ عَسْكَرُ الْمَغُولِ وَعَلَيْهِمْ كتبغانوين، وَكَانَ إِذْ ذَاكَ فِي الْبِقَاعِ فَاسْتَشَارَ الْأَشْرَفُ صاحب حمص والمجير ابن الزكي، فأشاروا عليه بأنَّه لَا قِبَلَ لَهُ بِالْمُظَفَّرِ حَتَّى يَسْتَمِدَّ هولاكو فأبى إلا أن يناجزه سريعاً، فساروا إليه وسار المظفر إليهم، فكان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015