وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ: الْمُسْتَنْصِرُ بِاللَّهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَالْحُرْمَةُ الْمَصُونَةُ الْجَلِيلَةُ: خَاتُونَ بِنْتُ عِزِّ الدِّينِ مَسْعُودِ ابْنِ مَوْدُودِ بْنِ زَنْكِيِّ بْنِ آقْسُنْقُرَ الْأَتَابَكِيَّةُ وَاقِفَةُ الْمَدْرَسَةِ الْأَتَابَكِيَّةِ بِالصَّالِحِيَّةِ، وَكَانَتْ زَوْجَةَ السُّلْطَانِ الْمَلِكِ الْأَشْرَفِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِي لَيْلَةِ وَفَاتِهَا كَانَتْ وَقَفَتْ مدرستها وتربتها بالجبل قاله أبو شامة: ودفن بِهَا رَحِمَهَا اللَّهُ تَعَالَى وَتَقَبَّلَ مِنْهَا (?) .
ثُمَّ دخلت سنة إحدى وأربعين وستمائة فِيهَا تَرَدَّدَتِ الرُّسُلُ بَيْنَ الصَّالِحِ أَيُّوبَ صَاحِبِ مِصْرَ وَبَيْنَ عَمِّهِ الصَّالِحِ إِسْمَاعِيلَ صَاحِبِ دِمَشْقَ، عَلَى أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِ وَلَدَهُ الْمُغِيثَ عُمَرَ بْنَ الصَّالِحِ أَيُّوبَ الْمُعْتَقَلَ فِي قَلْعَةِ دِمَشْقَ، وَتَسْتَقِرُّ دِمَشْقُ فِي يَدِ الصَّالِحِ إِسْمَاعِيلَ، فَوَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى ذَلِكَ، وَخُطِبَ لِلصَّالِحِ أَيُّوبَ بِدِمَشْقَ، فَخَافَ الْوَزِيرُ أَمِينُ الدَّوْلَةِ أَبُو الْحَسَنِ غَزَّالٌ الْمَسْلَمَانِيُّ، وَزِيرُ الصَّالِحِ إِسْمَاعِيلَ مِنْ غَائِلَةِ هَذَا الأمر، فقال لخدومه: لا ترد هذا الغلام لأبيه تَخْرُجُ الْبِلَادُ مِنْ يَدِكَ، هَذَا خَاتَمُ سُلَيْمَانَ بيدك لِلْبِلَادِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ أَبْطَلَ مَا كَانَ وَقَعَ مِنَ الصُّلْحِ وَرَدَّ الْغُلَامَ إِلَى الْقَلْعَةِ، وَقُطِعَتِ الْخُطْبَةُ لِلصَّالِحِ أَيُّوبَ، وَوَقَعَتِ الْوَحْشَةُ بَيْنَ الْمَلِكَيْنِ، وَأَرْسَلَ الصَّالِحُ أَيُّوبُ إِلَى الْخُوَارَزْمِيَّةِ يَسْتَحْضِرُهُمْ لِحِصَارِ دِمَشْقَ فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
وَكَانَتِ الْخُوَارَزْمِيَّةُ قَدْ فَتَحُوا فِي هَذِهِ السَّنَةِ بِلَادَ الرُّومِ وَأَخَذُوهَا مِنْ أَيْدِي مَلِكِهَا ابْنِ عَلَاءِ الدِّينِ، وَكَانَ قَلِيلَ الْعَقْلِ يَلْعَبُ
بِالْكِلَابِ وَالسِّبَاعِ، وَيُسَلِّطُهَا عَلَى النَّاسِ، فَاتَّفَقَ أَنَّهُ عَضَّهُ سَبُعٌ فَمَاتَ فَتَغَلَّبُوا عَلَى الْبِلَادِ حِينَئِذٍ.
وَفِيهَا احْتِيطَ عَلَى أَعْوَانِ الْقَاضِي الرَّفِيعِ الْجِيلِيِّ، وَضُرِبَ بَعْضُهُمْ بِالْمَقَارِعِ، وَصُودِرُوا وَرُسِمَ عَلَى الْقَاضِي الرَّفِيعِ بِالْمَدْرَسَةِ الْمُقَدَّمِيَّةِ دَاخِلَ بَابِ الْفَرَادِيسِ، ثُمَّ أُخْرِجَ لَيْلًا وَذُهِبَ بِهِ فَسُجِنَ بِمَغَارَةِ أَفْقَهَ مِنْ نَوَاحِي البقاع، ثم انقطع خبره.
وذكر أبو شامة: أنه توفي، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِنَّهُ أُلْقِيَ مِنْ شَاهِقٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ خُنِقَ، وَذَلِكَ كُلُّهُ بِذِي الْحِجَّةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ.
وَفِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ الخامس