الْقَاضِي نَجْمُ الدِّينِ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خلف بن راجح المقدسي الحنبلي الشَّافِعِيُّ، الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْحَنْبَلِيِّ، كَانَ شَيْخًا فَاضِلًا دَيِّنًا بَارِعًا فِي عِلْمِ الْخِلَافِ، وَيَحْفَظُ الْجَمْعَ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ لِلْحُمَيْدِيِّ، وَكَانَ مُتَوَاضِعًا حَسَنَ الْأَخْلَاقِ، قد طاف البلدان يطلب العلم ثم استقر بدمشق ودرس بالفداوية والصارمية والشامية الجوانية وَأُمِّ الصَّالِحِ، وَنَابَ فِي الْحُكْمِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْقُضَاةِ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ بِهَا، وَهُوَ نَائِبُ الرَّفِيعِ الْجِيلِيِّ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَادِسَ شَوَّالٍ وَدُفِنَ بِقَاسِيُونَ.
يَاقُوتُ بْنُ عَبْدِ الله أمين الدين الرولي منسوب إلى بيت أَتَابَكَ، قَدِمَ بَغْدَادَ مَعَ رَسُولِ صَاحِبِ الْمَوْصِلِ لُؤْلُؤٍ.
قَالَ ابْنُ السَّاعِي، اجْتَمَعْتُ بِهِ وَهُوَ شَابٌّ أَدِيبٌ فَاضِلٌ، يَكْتُبُ خَطًّا حَسَنًا فِي غَايَةِ الْجَوْدَةِ، وَيَنْظِمُ شِعْرًا جَيِّدًا، ثُمَّ رَوَى عنه شيئاً من شعره.
قَالَ وَتُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ مَحْبُوسًا.
ثُمَّ دخلت سنة تسع وثلاثين وستمائة فِيهَا قَصَدَ الْمَلِكُ الْجَوَادُ أَنْ يَدْخُلَ مِصْرَ لِيَكُونَ فِي خِدْمَةِ الصَّالِحِ أَيُّوبَ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى الرَّمْلِ تَوَهَّمَ مِنْهُ الصَّالِحُ أَيُّوبُ وَأَرْسَلَ إليه كمال الدين ابن الشَّيْخِ لِيَقْبِضَ عَلَيْهِ، فَرَجَعَ الْجَوَادُ فَاسْتَجَارَ بِالنَّاصِرِ دَاوُدَ، وَكَانَ إِذْ ذَاكَ بِالْقُدْسِ الشَّرِيفِ، وَبَعَثَ منه جَيْشًا فَالْتَقَوْا مَعَ ابْنِ الشَّيْخِ فَكَسَرُوهُ وَأَسَرُوهُ فَوَبَّخَهُ النَّاصِرُ دَاوُدُ ثُمَّ أَطْلَقَهُ، وَأَقَامَ الْجَوَادُ فِي خِدْمَةِ النَّاصِرِ حَتَّى تَوَهَّمَ مِنْهُ فَقَيَّدَهُ وَأَرْسَلَهُ تَحْتَ الْحَوْطَةِ إِلَى بَغْدَادَ، فَأَطْلَقَهُ بَطْنٌ من العرب عن قوة ملجأ إِلَى صَاحِبِ دِمَشْقَ مُدَّةً، ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى الْفِرِنْجِ، ثُمَّ عَادَ إِلَى دِمَشْقَ فَحَبَسَهُ الصَّالِحُ إِسْمَاعِيلُ بِعَزَّتَا إِلَى أَنْ مَاتَ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ كَمَا سَيَأْتِي (?) .
وَفِيهَا شَرَعَ الصَّالِحُ أَيُّوبُ فِي بِنَاءِ الْمَدَارِسِ بِمِصْرَ، وَبَنَى قَلْعَةً بِالْجَزِيرَةِ غَرِمَ عَلَيْهَا شَيْئًا كَثِيرًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَأَخَذَ أَمْلَاكَ النَّاسِ وَخَرَّبَ نَيِّفًا وَثَلَاثِينَ مسجداً، وقطع ألف نخلة (?) .
ثم أخربها