أَرْسَلَ إِلَيْهِ: مِنَ الْمَعْهُودِ مِنَ الْمُلُوكِ أَنَّ التُّجَّارَ لَا يُقْتَلُونَ لِأَنَّهُمْ عِمَارَةُ الْأَقَالِيمِ، وَهُمُ الذين يحملون إلى الملوك ما فيه التُّحَفَ وَالْأَشْيَاءَ النَّفِيسَةَ، ثُمَّ إِنَّ هَؤُلَاءِ التُّجَّارَ كَانُوا عَلَى دِينِكَ فَقَتَلَهُمْ نَائِبُكَ، فَإِنْ كَانَ أمراً أمرت به طلبنا بدمائهم، وإلا فأنت تنكره وتقتص من نائبك.
فَلَمَّا سَمِعَ خُوَارَزْمُ شَاهْ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ جنكيزخان لَمْ يَكُنْ لَهُ جَوَابٌ سِوَى أَنَّهُ أَمَرَ بِضَرْبِ عُنُقِهِ فَأَسَاءَ التَّدْبِيرَ، وَقَدْ كَانَ خَرِفَ وَكَبُرَتْ سِنُّهُ، وَقَدْ وَرَدَ الْحَدِيثُ " اتْرُكُوا التُّرْكَ ما تركوكم " فلما بلغ ذلك جنكيزخان تَجَهَّزَ لِقِتَالِهِ وَأَخْذِ بِلَادِهِ، فَكَانَ بِقَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى مَا كَانَ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي لَمْ يُسْمَعْ بِأَغْرَبَ مِنْهَا وَلَا أَبْشَعَ، فَمِمَّا ذَكَرَهُ الجويني أَنَّهُ قَدَّمَ لَهُ بَعْضُ الْفَلَّاحِينَ بِالصَّيْدِ ثَلَاثَ بطيخات فلم يتفق أن عند جنكيزخان أحد مِنَ الْخَزَنْدَارِيَّةِ، فَقَالَ لِزَوْجَتِهِ خَاتُونَ أَعْطِيهِ هَذَيْنِ الْقُرْطَيْنِ اللَّذَيْنِ فِي أُذُنَيْكِ، وَكَانَ فِيهِمَا جَوْهَرَتَانِ نفيستان جداً، فشحت المرأة بهما وقالت: انظره إلى غد، فقال إنه يبيت هذه الليلة مقلقل الخاطر، وربما لا يجعل له شئ بعد هذا، وإن هذين لا يمكن أحد إِذَا اشْتَرَاهُمَا إِلَّا جَاءَ بِهِمَا إِلَيْكِ فَانْتَزَعَتْهُمَا فَدَفَعَتْهُمَا إِلَى الْفَلَّاحِ فَطَارَ عَقْلُهُ بِهِمَا وَذَهَبَ بِهِمَا فَبَاعَهُمَا لِأَحَدِ التُّجَّارِ بِأَلْفِ دِينَارٍ، وَلَمْ يَعْرِفْ قِيمَتَهُمَا، فَحَمَلَهُمَا التَّاجِرُ إِلَى الْمَلِكِ فَرَدَّهُمَا عَلَى زَوْجَتِهِ، ثُمَّ أَنْشَدَ الْجُوَيْنِيُّ عِنْدَ ذَلِكَ: وَمَنْ قَالَ إِنَّ الْبَحْرَ وَالْقَطْرَ أَشْبَهَا * نَدَاهُ فقد أثنى على البحر والقطر قالوا: وَاجْتَازَ يَوْمًا فِي سُوقٍ فَرَأَى عِنْدَ بَقَّالٍ عُنَّابًا فَأَعْجَبَهُ لَوْنُهُ وَمَالَتْ نَفْسُهُ إِلَيْهِ فَأَمَرَ الْحَاجِبَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ بِبَالِسٍ، فَاشْتَرَى الْحَاجِبُ بِرُبْعِ بَالِسٍ، فَلَمَّا وَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ أَعْجَبَهُ وقال: هذا كله ببالس؟ قال وَبَقِيَ مِنْهُ هَذَا - وَأَشَارَ إِلَى مَا بَقِيَ معه من المال - فغضب وقال: من يَجِدُ مَنْ يَشْتَرِي مِنْهُ
مِثْلِي تَمِّمُوا لَهُ عَشَرَةَ بَوَالِسَ.
قَالُوا: وَأَهْدَى لَهُ رَجُلٌ جَامَ زجاج من معمول حلب فاستحسنه جنكيزخان فَوَهَّنَ أَمَرَهُ عِنْدَهُ بَعْضُ خَوَاصِّهِ وَقَالَ: خُوَنْدُ هَذَا زُجَاجٌ لَا قِيمَةَ لَهُ، فَقَالَ: أَلَيْسَ قَدْ حَمَلَهُ مِنْ بِلَادٍ بَعِيدَةٍ حَتَّى وَصَلَ إلينا سالماً؟ أعطوه مائتي بالس.
قال: وَقِيلَ لَهُ أنَّ فِي هَذَا الْمَكَانِ كَنْزًا عظيماً إن فتحته أخذت منه مالاً جزيلاً، فَقَالَ الَّذِي فِي أَيْدِينَا يَكْفِينَا، وَدَعْ هَذَا يَفْتَحُهُ النَّاسُ وَيَأْكُلُونَهُ فَهُمْ أَحَقُّ بِهِ مِنَّا، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ (?) قَالَ وَاشْتُهِرَ عَنْ رَجُلٍ في بلاده يقول أنا أعرف موضع كنز ولا أقول إِلَّا لِلْقَانِ، وَأَلَحَّ عَلَيْهِ الْأُمَرَاءُ أَنْ يُعْلِمَهُمْ فَلَمْ يَفْعَلْ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلْقَانِ فَأَحْضَرَهُ عَلَى خَيْلِ الْأَوْلَاقِ - يَعْنِي الْبَرِيدَ - سَرِيعًا فَلَمَّا حَضَرَ إِلَى بَيْنِ يَدَيْهِ سَأَلَهُ عَنِ الْكَنْزِ فَقَالَ: إِنَّمَا كُنْتُ أَقُولُ ذَلِكَ حِيلَةً لِأَرَى وَجْهَكَ.
فَلَمَّا رَأَى تَغَيُّرَ كَلَامِهِ غَضِبَ وَقَالَ لَهُ: قد حصل لك ما قلت، ورده إلى موضعه سالماً ولم يعطه شيئاً.
قَالَ: وَأَهْدَى لَهُ إِنْسَانٌ رُمَّانَةً فَكَسَرَهَا وَفَرَّقَ حَبَّهَا عَلَى الْحَاضِرِينَ وَأَمَرَ لَهُ بِعَدَدِ حَبِّهَا بوالس ثم أنشد: