الْبُلْدَانِ فَأَرْسَلَ سَرِيَّةً إِلَى بِلَادِ خُرَاسَانَ وَتُسَمِّيهَا التَّتَارُ الْمُغَرِّبَةَ، وَأَرْسَلَ أُخْرَى وَرَاءَ خُوَارَزْمَ شَاهْ، وَكَانُوا عِشْرِينَ أَلْفًا قَالَ: اطْلُبُوهُ فَأَدْرِكُوهُ وَلَوْ تعلق بالسماء فساروا وراءه فَأَدْرَكُوهُ وَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ نَهْرُ جَيْحُونَ وَهُوَ آمِنٌ بِسَبَبِهِ، فَلَمْ يَجِدُوا سُفُنًا فَعَمِلُوا لَهُمْ أَحْوَاضًا يَحْمِلُونَ عَلَيْهَا الْأَسْلِحَةَ وَيُرْسِلُ أَحَدُهُمْ فَرَسَهُ وَيَأْخُذُ بِذَنَبِهَا فَتَجُرُّهُ الْفَرَسُ بِالْمَاءِ وَهُوَ يَجُرُّ الْحَوْضَ الَّذِي فِيهِ سِلَاحُهُ، حَتَّى صَارُوا كُلُّهُمْ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ، فَلَمْ يَشْعُرْ بِهِمْ خُوَارَزْمُ شَاهْ إِلَّا وَقَدْ خَالَطُوهُ، فَهَرَبَ مِنْهُمْ إِلَى نَيْسَابُورَ ثُمَّ مِنْهَا إِلَى غَيْرِهَا (?) وَهُمْ فِي أَثَرِهِ لا يمهلونه يَجْمَعَ لَهُمْ فَصَارَ كُلَّمَا أَتَى بَلَدًا لِيَجْتَمِعَ فيه عساكره له يُدْرِكُونَهُ فَيَهْرُبُ مِنْهُمْ، حَتَّى رَكِبَ فِي بَحْرِ طَبَرِسْتَانَ وَسَارَ إِلَى قَلْعَةٍ فِي جَزِيرَةٍ فِيهِ فَكَانَتْ فِيهَا وَفَاتُهُ، وَقِيلَ إِنَّهُ لَا يُعْرَفُ بَعْدَ رُكُوبِهِ فِي الْبَحْرِ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ بَلْ ذَهَبَ فَلَا يُدْرَى أَيْنَ ذَهَبَ، وَلَا إِلَى أَيِّ مَفَرٍّ هَرَبَ، وَمَلَكَتِ التَّتَارُ حَوَاصِلَهُ فَوَجَدُوا فِي خِزَانَتِهِ عَشَرَةَ آلَافِ أَلْفِ دينار، وألف حمل من الأطلس وغيره وعشرون أَلْفَ فَرَسٍ وَبَغْلٍ، وَمِنَ الْغِلْمَانِ وَالْجَوَارِي وَالْخِيَامِ شَيْئًا كَثِيرًا، وَكَانَ لَهُ عَشَرَةُ آلَافِ مَمْلُوكٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِثْلُ مَلِكٍ، فَتَمَزَّقَ ذَلِكَ كُلُّهُ، وَقَدْ كَانَ خُوَارَزْمُ شَاهْ فَقِيهًا حَنَفِيًّا فَاضِلًا لَهُ مُشَارَكَاتٌ فِي فُنُونٍ مِنَ الْعِلْمِ، يَفْهَمُ جَيِّدًا، وَمَلَكَ بِلَادًا مُتَّسِعَةً وَمَمَالِكَ مُتَعَدِّدَةً إِحْدَى وَعِشْرِينَ سَنَةً وَشُهُورًا، وَلَمْ يَكُنْ بَعْدَ مُلُوكِ بني سلجوق أكثر حرمة منه وَلَا أَعْظَمُ مُلْكًا مِنْهُ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا كَانَتْ هِمَّتُهُ فِي الْمُلْكِ لَا فِي اللَّذَّاتِ وَالشَّهَوَاتِ، وَلِذَلِكَ قَهَرَ الْمُلُوكَ بِتِلْكَ الْأَرَاضِي وَأَحَلَّ بِالْخِطَا بَأْسًا شَدِيدًا، حَتَّى لَمْ يَبْقَ بِبِلَادِ خُرَاسَانَ وما وراء النهر وعراق الْعَجَمِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْمَمَالِكِ سُلْطَانٌ سِوَاهُ، وَجَمِيعُ البلاد تحت أيدي نُوَّابِهِ.

ثُمَّ سَارُوا إِلَى مَازَنْدَرَانَ وَقِلَاعُهَا مِنْ أمنع القلاع، بحيث إن المسلمين لم يفتحوها إلا في سنة تسعين من أَيَّامِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَفَتَحَهَا هَؤُلَاءِ فِي أَيْسَرِ مُدَّةٍ وَنَهَبُوا مَا فِيهَا وَقَتَلُوا أهاليها كلهم وَسَبَوْا وَأَحْرَقُوا، ثُمَّ تَرَحَّلُوا عَنْهَا نَحْوَ الرَّيِّ فَوَجَدُوا فِي الطَّرِيقِ أُمَّ خُوَارَزْمَ شَاهْ وَمَعَهَا أَمْوَالٌ عَظِيمَةٌ جِدًّا، فَأَخَذُوهَا وَفِيهَا كُلُّ غَرِيبٍ وَنَفِيسٍ مِمَّا لَمْ يُشَاهَدْ مِثْلُهُ مِنَ الْجَوَاهِرِ وَغَيْرِهَا، ثُمَّ قَصَدُوا الرَّيَّ فَدَخَلُوهَا عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ من أهلها فقتلوهم وسبوا وأسروا، ثُمَّ سَارُوا إِلَى هَمَذَانَ فَمَلَكُوهَا ثُمَّ إِلَى زَنْجَانَ فَقَتَلُوا وَسَبَوْا، ثُمَّ قَصَدُوا قَزْوِينَ فَنَهَبُوهَا وَقَتَلُوا مِنْ أَهْلِهَا نَحْوًا مِنْ أَرْبَعِينَ أَلْفًا، ثم تيمموا بلاد أذربيجان فصالحهم ملكها أزبك بْنُ

الْبَهْلَوَانِ عَلَى مَالٍ حَمَلَهُ إِلَيْهِمْ لِشُغْلِهِ بِمَا هُوَ فِيهِ مِنَ السُّكْرِ وَارْتِكَابِ السَّيِّئَاتِ وَالِانْهِمَاكِ عَلَى الشَّهَوَاتِ، فَتَرَكُوهُ وَسَارُوا إِلَى مُوقَانَ فَقَاتَلَهُمُ الْكُرْجُ فِي عَشَرَةِ آلَافِ مُقَاتِلٍ فَلَمْ يَقِفُوا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى انْهَزَمَتِ الْكُرْجُ فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِمْ بِحَدِّهِمْ وَحَدِيدِهِمْ، فَكَسَرَتْهُمُ التَّتَارُ وقعة ثانية أقبح هزيمة وأشنعها.

وههنا قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ (?) : وَلَقَدْ جَرَى لِهَؤُلَاءِ التَّتَرِ مَا لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ مِنْ قَدِيمِ الزَّمَانِ وَحَدِيثِهِ: طَائِفَةٌ تَخْرُجُ مِنْ حُدُودِ الصِّينِ، لَا تَنْقَضِي عَلَيْهِمْ سَنَةٌ حَتَّى يَصِلَ بَعْضُهُمْ إِلَى حُدُودِ بِلَادِ أَرْمِينِيَّةَ مِنْ هَذِهِ النَّاحِيَةِ، وَيُجَاوِزُونَ الْعِرَاقَ مِنْ نَاحِيَةِ هَمَذَانَ، وَتَاللَّهِ لَا أَشُكُّ أن من يجئ بعدنا إذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015