سِيبَوَيْهِ، وَقَدَّمَهُ إِلَى صَاحِبِ الْمَغْرِبِ فَأَعْطَاهُ أَلْفَ دينار، وشرح جمل الزجاجي، وكان ينتقل فِي الْبِلَادِ وَلَا يَسْكُنُ إِلَّا فِي الْخَانَاتِ، ولم يتزوج ولا تسرى، ولذلك علة تغلب على طباع الأراذل، وَقَدْ تَغَيِّرَ عَقْلُهُ فِي آخِرِ عُمْرِهِ، فَكَانَ يَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ مَكْشُوفَ الرَّأْسِ، تُوُفِّيَ عَنْ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً (?) .

أَبُو عَلِيٍّ يَحْيَى بْنُ الرَّبيع ابن سليمان بن حرار الواسطي البغدادي، اشتغل بالنظامية على فضلان وأعاد عنه، وَسَافَرَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى فَأَخَذَ عَنْهُ طَرِيقَتَهُ فِي الْخِلَافِ، ثُمَّ عَادَ إِلَى بَغْدَادَ ثم صار مدرساً بالنظامية وناظراً على أَوْقَافِهَا، وَقَدْ سَمِعَ الْحَدِيثَ وَكَانَ لَدَيْهِ عُلُومٌ كَثِيرَةٌ، وَمَعْرِفَةٌ حَسَنَةٌ بِالْمَذْهَبِ، وَلَهُ تَفْسِيرٌ فِي أَرْبَعِ مُجَلَّدَاتٍ كَانَ يُدَرِّسُ مِنْهُ، وَاخْتَصَرَ تَارِيخَ الْخَطِيبِ وَالذَّيْلَ عَلَيْهِ لِابْنِ السَّمْعَانِيِّ وَقَارَبَ الثَّمَانِينَ.

ابْنُ الْأَثِيرِ صَاحِبُ جَامِعِ الْأُصُولِ وَالنِّهَايَةِ الْمُبَارَكُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ مَجْدُ الدِّينِ أَبُو السَّعَادَاتِ الشَّيْبَانِيُّ الْجَزَرِيُّ الشَّافِعِيُّ، الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْأَثِيرِ، وَهُوَ أخو الوزير وزير الْأَفْضَلِ ضِيَاءِ الدِّينِ نَصْرِ اللَّهِ، وَأَخُو الْحَافِظِ عِزِّ الدِّينِ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيٍّ صَاحِبِ الْكَامِلِ في التاريخ، ولد أبو السعادات هذا في

إحدى الرَّبِيعَيْنِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَسَمِعَ الْحَدِيثَ الكثير وقرأ القرآن وأتقن علومه وحررها، وَكَانَ مَقَامُهُ بِالْمَوْصِلِ، وَقَدْ جَمَعَ فِي سَائِرِ الْعُلُومِ كُتُبًا مُفِيدَةً، مِنْهَا جَامِعُ الْأُصُولِ السِّتَّةِ الموطأ والصحيحين وَسُنَنُ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنَ مَاجَهْ فِيهِ، وَلَهُ كِتَابُ النِّهَايَةِ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ وَلَهُ شَرَحُ مُسْنَدِ الشَّافِعِيِّ وَالتَّفْسِيرُ فِي أَرْبَعِ مُجَلَّدَاتٍ، وَغَيْرُ ذَلِكَ فِي فُنُونٍ شتى، وكان مُعَظَّمًا عِنْدَ مُلُوكِ الْمَوْصِلِ، فَلَمَّا آلَ الْمُلْكُ إلى نور الدين أرسلان شاه، أرسل إليه مملوكه لؤلؤ أَنْ يَسْتَوْزِرَهُ فَأَبَى فَرَكِبَ السُّلْطَانُ إِلَيْهِ فَامْتَنَعَ أَيْضًا وَقَالَ لَهُ: قَدْ كَبُرَتْ سِنِّي وَاشْتَهَرْتُ بِنَشْرِ الْعِلْمِ، وَلَا يَصْلُحُ هَذَا الْأَمْرُ إِلَّا بشئ مِنَ الْعَسْفِ وَالظُّلْمِ، وَلَا يَلِيقُ بِي ذَلِكَ، فَأَعْفَاهُ.

قَالَ أَبُو السَّعَادَاتِ: كُنْتُ أَقْرَأُ عِلْمَ الْعَرَبِيَّةِ عَلَى سعيدَ بْنِ الدَّهَّانِ، وَكَانَ يَأْمُرُنِي بِصَنْعَةِ الشِّعْرِ فَكُنْتُ لَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ الشَّيْخُ رَأَيْتُهُ فِي بَعْضِ اللَّيَالِي، فَأَمَرَنِي بذلك، فقلت له: ضع لي مثالاً أعمل عليه فقال: حب العلا مُدْمِنًا إِنْ فَاتَكَ الظَّفَرُ * فَقُلْتُ أَنَا: وَخُدَّ خَدَّ الثَّرَى وَاللَّيْلُ مُعْتَكِرُ فَالْعِزُّ فِي صَهَوَاتِ الليل مركزه * والمجد ينتجه الإسراء والسهر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015