سَمَّاهَا الْمَهْدِيَّةَ، وَقَدْ كَانَ دَيِّنًا حَسَنَ السِّيرَةِ صَحِيحَ السَّرِيرَةِ، وَكَانَ مَالِكِيَّ الْمَذْهَبِ، ثُمَّ صَارَ ظَاهِرِيًّا حَزْمِيًّا ثُمَّ مَالَ إِلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَاسْتَقْضَى فِي بَعْضِ بِلَادِهِ مِنْهُمْ قُضَاةً، وَكَانَتْ مُدَّةُ مُلْكِهِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَكَانَ كَثِيرَ الْجِهَادِ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَكَانَ يَؤُمُّ النَّاسَ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَكَانَ قَرِيبًا إِلَى الْمَرْأَةِ وَالضَّعِيفِ رحمه الله.

وَهُوَ الَّذِي كَتَبَ إِلَيْهِ صَلَاحُ الدِّينِ يَسْتَنْجِدُهُ عَلَى الْفِرِنْجِ فَلَمَّا لَمْ يُخَاطِبْهُ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ غَضِبَ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يُجِبْهُ إِلَى مَا طَلَبَ مِنْهُ، وَقَامَ بِالْمُلْكِ بَعْدَهُ وَلَدُهُ مُحَمَّدٌ فَسَارَ كَسِيرَةِ وَالِدِهِ، وَرَجَعَ إِلَيْهِ كَثِيرٌ مِنَ الْبُلْدَانِ اللَّاتِي كَانَتْ قَدْ عَصَتْ عَلَى أَبِيهِ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ تَفَرَّقَتْ بِهِمُ الْأَهْوَاءُ وباد هذا البيت بعد الملك يعقوب.

وفيها ادّعى رجل أعجمي بدمشق أنه عيسى بن مريم، فأمر الأمير صارم الدين برغش نائب القلعة، بصلبه عِنْدَ حَمَّامِ الْعِمَادِ الْكَاتِبِ، خَارِجَ بَابِ الْفَرَجِ مُقَابِلَ الطَّاحُونِ الَّتِي بَيْنَ الْبَابَيْنِ، وَقَدْ بَادَ هَذَا الْحَمَّامُ قَدِيمًا، وَبَعْدَ صَلْبِهِ بِيَوْمَيْنِ ثَارَتِ الْعَامَّةُ عَلَى الرَّوَافِضِ وَعَمَدُوا إِلَى قَبْرِ رَجُلٍ مِنْهُمْ بِبَابِ الصَّغِيرِ يُقَالُ لَهُ وَثَّابٌ فَنَبَشُوهُ وَصَلَبُوهُ مَعَ كَلْبَيْنِ، وَذَلِكَ فِي رَبِيعٍ الْآخَرِ منها.

وفيها وَقَعَتْ فِتْنَةٌ كَبِيرَةٌ بِبِلَادِ خُرَاسَانَ، وَكَانَ سَبَبُهَا أنَّ فَخْرَ الدِّينِ مُحَمَّدَ بْنَ عُمَرَ الرَّازِيَّ وَفَدَ إِلَى الْمَلِكِ غِيَاثِ الدِّينِ الْغُورِيِّ صَاحِبِ غَزْنَةَ، فَأَكْرَمَهُ وَبَنَى لَهُ مَدْرَسَةً بِهَرَاةَ، وَكَانَ أَكْثَرُ الْغُورِيَّةِ

كَرَّامِيَّةً فَأَبْغَضُوا الرَّازِيَّ وَأَحَبُّوا إِبْعَادَهُ عَنِ الْمَلِكِ، فَجَمَعُوا لَهُ جَمَاعَةً مِنَ الْفُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْكَرَّامِيَّةِ، وَخَلْقًا مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَحَضَرَ ابْنُ الْقَدْوَةِ (?) وَكَانَ شَيْخًا مُعَظَّمًا فِي النَّاسِ، وَهُوَ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ كِرَامٍ وَابْنِ الْهَيْصَمِ فَتَنَاظَرَ هُوَ وَالرَّازِيُّ، وَخَرَجَا مِنَ الْمُنَاظَرَةِ إِلَى السَّبِّ وَالشَّتْمِ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ اجْتَمَعَ النَّاس فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ، وَقَامَ وَاعِظٌ فَتَكَلَّمَ فَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّا لَا نَقُولُ إلا ماصح عِنْدَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأما علم ارسطا طاليس وكفريات ابن سينا وفلسفة الفارابي وما تلبّس به الرازي فإنا لا نعلمها ولا نقول بها، وإنما هو كتاب الله وسنة رسوله، ولاي شئ يُشْتَمُ بِالْأَمْسِ شَيْخٌ مِنْ شُيُوخِ الْإِسْلَامِ يَذُبُّ عن دين الله وسنَّة رسوله، على لسان متكلم ليس معه على ما يقول دليل.

قَالَ فَبَكَى النَّاسُ وَضَجُّوا وَبَكَتِ الْكَرَّامِيَّةُ وَاسْتَغَاثُوا، وَأَعَانَهُمْ عَلَى ذَلِكَ قَوْمٌ مِنْ خَوَاصِّ النَّاسِ، وَأَنْهَوْا إِلَى الْمَلِكِ صُورَةَ مَا وَقَعَ، فَأَمَرَ بِإِخْرَاجِ الرَّازِيِّ مِنْ بِلَادِهِ، وَعَادَ إِلَى هَرَاةَ، فَلِهَذَا أُشْرِبَ قَلْبُ الرَّازِيِّ بُغْضَ الْكَرَّامِيَّةِ، وَصَارَ يَلْهَجُ بِهِمْ فِي كَلَامِهِ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ ومكان.

وفيها رضي الخليفة عن أبي الفرج بن الجوزي شيخ الوعاظ، وَقَدْ كَانَ أُخْرِجُ مِنْ بَغْدَادَ إِلَى وَاسِطٍ فَأَقَامَ بِهَا خَمْسَ سِنِينَ، فَانْتَفَعَ بِهِ أَهْلُهَا وَاشْتَغَلُوا عَلَيْهِ وَاسْتَفَادُوا مِنْهُ، فَلَمَّا عَادَ إِلَى بَغْدَادَ خَلَعَ عَلَيْهِ الْخَلِيفَةُ وَأَذِنَ لَهُ فِي الوعظ عَلَى عَادَتِهِ عِنْدَ التُّرْبَةِ الشَّرِيفَةِ الْمُجَاوِرَةِ لِقَبْرِ مَعْرُوفٍ [الْكَرْخِيِّ] ، فَكَثُرَ الْجَمْعُ جِدًّا وَحَضَرَ الْخَلِيفَةُ وأنشد يومئذ فيما يخاطب به الخليفة:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015