يومئذ وكان يوم الجمعة، ثم بلغه بعد ذلك أن [ابن] جهبل هو الذي قال ذلك أولاً، فأمره فدرس على نفس الصخرة درساً عظيماً، فأجزل لَهُ الْعَطَاءَ، وَأَحْسَنَ عَلَيْهِ الثَّنَاءَ.
ثُمَّ رحل من حلب في أواخر ربيع الآخر واستخلف على حلب ولده الظاهر غازي، وولي قضاءها لابن الزكي، فاستناب له فيها نائباً، وسار مع السلطان، فدخلوا دمشق في ثالث جمادى الأولى وكان ذلك يوماً مشهوداً، ثم برز منها خارجاً إلى قتال الفرنج في أول جمادى الآخرة قاصداً نحو بيت المقدس، فَانْتَهَى إِلَى بَيْسَانَ فَنَهَبَهَا، وَنَزَلَ عَلَى عَيْنِ جَالُوتَ، وَأَرْسَلَ بَيْنَ يَدَيْهِ سَرِيَّةً هَائِلَةً فِيهَا بردويل وطائفة من النورية، وجاء مملوك عمه أسد الدين فوجدوا جيش الفرنج قاصدين إلى أصحابهم نجدة، فالتقوا معهم فقتلوا من الفرنج خلقاً وَأَسَرُوا مِائَةَ أَسِيرٍ، وَلَمْ يُفْقَدْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ سِوَى شَخْصٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ عَادَ فِي آخِرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَبَلَغَ السُّلْطَانَ أَنَّ الْفِرِنْجَ قَدِ اجْتَمَعُوا لِقِتَالِهِ، فَقَصَدَهُمْ وَتَصَدَّى لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يُصَافُّونَهُ، فالتقى مهعم فقتل منهم خلقاً كثيراً، وَجَرَحَ مِثْلَهُمْ فَرَجَعُوا نَاكِصِينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ خَائِفِينَ منه غاية المخافة، ولا زال جيشه خلفهم يقتل ويأسر حتى غزوا في بلادهم فرجعوا عنهم، وَكَتَبَ الْقَاضِي الْفَاضِلُ إِلَى الْخَلِيفَةِ يُعْلِمُهُ بِمَا منَّ الله عليه وعلى المسلمين من نصرة الدين، وَكَانَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا وَلَا يُرِيدُ أَنْ يفعله إلا أطلع عليه الْخَلِيفَةِ أَدَبًا وَاحْتِرَامًا وَطَاعَةً
وَاحْتِشَامًا.
فَصْلٌ
وَفِي رَجَبٍ سَارَ السُّلْطَانُ إِلَى الْكَرَكِ (?) فَحَاصَرَهَا وَفِي صُحْبَتِهِ تَقِيُّ الدِّينِ عُمَرُ ابْنُ أَخِيهِ، وَقَدْ كتب لأخيه العادل ليحضر عنده لِيُوَلِّيَهُ حَلَبَ وَأَعْمَالَهَا وَفْقَ مَا كَانَ طَلَبَ، وَاسْتَمَرَّ الْحِصَارُ عَلَى الْكَرَكِ مُدَّةَ شَهْرِ رَجَبٍ، ولم يَظْفَرْ مِنْهَا بِطَلَبٍ، وَبَلَغَهُ أَنَّ الْفِرِنْجَ قَدِ اجْتَمَعُوا كُلُّهُمْ لِيَمْنَعُوا مِنْهُ الْكَرَكَ فَكَرَّ رَاجِعًا إلى دمشق - وذلك من أكبر همته - وأرسل ابن أخيه تقي الدين إِلَى مِصْرَ نَائِبًا، وَفِي صُحْبَتِهِ الْقَاضِي الْفَاضِلُ، وَبَعَثَ أَخَاهُ عَلَى مَمْلَكَةِ حَلَبَ وَأَعْمَالِهَا، وَاسْتَقَدْمَ وَلَدَهُ الظَّاهِرَ إِلَيْهِ، وَكَذَلِكَ نُوَّابَهُ وَمَنْ يَعِزُّ عليه، وإنما أعطى أخاه حَلَبَ لِيَكُونَ قَرِيبًا مِنْهُ، فَإِنَّهُ كَانَ لَا يقطع أمراً دونه، واقترض السلطان من أخيه الْعَادِلِ مِائَةَ أَلْفِ دِينَارٍ، وَتَأَلَّمَ الظَّاهِرُ بْنُ الناصر على مفارقة حلب، وكانت إقامته