رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَكْرِمُوا عَمَّتَكُمُ النَّخْلَةَ فَإِنَّهَا خُلِقَتْ مِنَ الطِّينِ الَّذِي خلق منه آدم وليس من الشجرة شئ يُلَقَّحُ غَيْرَهَا " (?) .
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَطْعِمُوا نِسَاءَكُمُ الْوُلَّدَ الرُّطَبَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رُطَبٌ فَتَمْرٌ وَلَيْسَ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ مِنْ شَجَرَةٍ نَزَلَتْ تَحْتَهَا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ ".
وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخٍ، عَنْ مَسْرُوقِ بْنِ سَعِيدٍ، وَفِي رِوَايَةٍ مَسْرُورِ بْنِ سَعْدٍ.
وَالصَّحِيحُ مَسْرُورُ بْنُ سَعِيدٍ التَّمِيمِيُّ أَوْرَدَ لَهُ ابْنُ عَدِيٍّ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ بِهِ ثُمَّ قَالَ وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَلَمْ أَسْمَعَ بِذِكْرِهِ إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ.
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ يَرْوِي عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ
الْمَنَاكِيرَ الْكَثِيرَةَ الَّتِي لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِمَنْ يَرْوِيهَا.
وَقَوْلُهُ: (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيّاً) .
وَهَذَا مِنْ تَمَامِ كَلَامِ الَّذِي نَادَاهَا مِنْ تحتها قال: (كلي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً) أَيْ فَإِنْ رَأَيْتِ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ (فَقُولِي) لَهُ أَيْ بِلِسَانِ الْحَالِ وَالْإِشَارَةِ (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً) أَيْ صَمْتًا وَكَانَ مِنْ صَوْمِهِمْ فِي شَرِيعَتِهِمْ تَرْكُ الْكَلَامِ وَالطَّعَامِ قَالَهُ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ وَابْنُ أَسْلَمَ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: (فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيّاً) فَأَمَّا فِي شَرِيعَتِنَا فَيُكْرَهُ لِلصَّائِمِ صَمْتُ يَوْمٍ إِلَى اللَّيْلِ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: (فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً فَرِيّاً.
يا أخت هرون مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً) ذَكَرَ كَثِيرٌ مِنَ السَّلف مِمَّنْ يَنْقُلُ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّهُمْ لَمَّا افْتَقَدُوهَا مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ ذَهَبُوا فِي طَلَبِهَا، فَمَرُّوا عَلَى مَحِلَّتِهَا وَالْأَنْوَارُ حَوْلَهَا، فَلَمَّا وَاجَهُوهَا وَجَدُوا مَعَهَا وَلَدَهَا فَقَالُوا لَهَا: (يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً فَرِيّاً) أَيْ أَمْرًا عَظِيمًا مُنْكَرًا.
وَفِي هَذَا الَّذِي قَالُوهُ نَظَرٌ مَعَ أَنَّهُ كَلَامٌ يَنْقُضُ أَوَّلُهُ آخِرَهُ وَذَلِكَ لِأَنَّ ظَاهِرَ سِيَاقِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ يدل على أنها حملت بِنَفْسِهَا وَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا وَهِيَ تَحْمِلُهُ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَذَلِكَ بَعْدَ مَا تَعَالَّتْ (?) مِنْ نِفَاسِهَا بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا (?) .
وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُمْ لَمَّا رَأَوْهَا تَحْمِلُ مَعَهَا وَلَدَهَا (قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً فَرِيّاً) وَالْفِرْيَةُ هِيَ الْفِعْلَةُ الْمُنْكَرَةُ الْعَظِيمَةُ مِنَ الْفِعَالِ والمقال ثم قالوا لها: (يَا أخت هرون) قِيلَ شَبَّهُوهَا بِعَابِدٍ مِنْ عُبَّادِ زَمَانِهِمْ كَانَتْ تساميه في العبادة وكان اسمه هرون وَقِيلَ شَبَّهُوهَا بِرَجُلٍ فَاجِرٍ فِي زَمَانِهِمُ اسْمُهُ هرون.
قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَقِيلَ أَرَادُوا بِهَارُونَ أَخَا مُوسَى شَبَّهُوهَا بِهِ فِي الْعِبَادَةِ.
وَأَخْطَأَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ فِي زَعْمِهِ أَنَّهَا أخت موسى وهرون نَسَبًا فَإِنَّ بَيْنَهُمَا مِنَ الدُّهُورِ الطَّوِيلَةِ مَا لا يخفى عليَّ أنى مَنْ عِنْدَهُ مِنَ الْعِلْمِ مَا يَرُدُّهُ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ الْفَظِيعِ وَكَأَنَّهُ غَرَّهُ أَنَّ فِي التوراة أن مريم أخت موسى وهرون ضربت بالدف يوم نجا اللَّهُ مُوسَى وَقَوْمَهُ وَأَغْرَقَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ فَاعْتَقَدَ أَنَّ هَذِهِ هِيَ هَذِهِ وَهَذَا فِي غَايَةِ الْبُطْلَانِ وَالْمُخَالَفَةِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ مَعَ نَصِّ الْقُرْآنِ كما قررناه في التفسير مطولاً ولله