كَانَ بَصِيرًا بِالْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ، أَخَذَ الْفِقْهَ عَنْ الْقَفَّالِ، وَحَضَرَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ عِنْدَهُ وَهُوَ صَغِيرٌ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ، فَصَارَ فِي نَفْسِهِ مِنْهُ، فهو يخطئه كثيراً في النهاية.
قال ابْنُ خَلِّكَانَ: فَمَتَى قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَقَالَ بَعْضُ الْمُصَنِّفِينَ كَذَا وَغَلِطَ فِي ذَلِكَ وَشَرَعَ فِي الْوُقُوعِ فِيهِ فَمُرَادُهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْفُورَانِيُّ.
توفي الفوراني في رمضان منها بِمَرْوٍ، عَنْ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً، وَقَدْ كَتَبَ تِلْمِيذُهُ أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ المأمون المعري المدرس بالنظامية بعد أَبِي إِسْحَاقَ وَقَبْلَ ابْنِ الصَّبَّاغِ، وَبَعْدَهُ أَيْضًا، كِتَابًا عَلَى الْإِبَانَةِ، فَسَمَّاهُ تَتِمَّةَ الْإِبَانَةِ، انْتَهَى فِيهِ إِلَى كِتَابِ الْحُدُودِ.
وَمَاتَ قَبْلَ إِتْمَامِهِ، فتممه أسعد العجلي وغيره، لم يلحقوا شأوه ولا حاموا حوله، وسموه تتمة التتمة.
وَفِيهَا تَوَجَّهُ مَلِكُ الروم من قسطنطينية إلى الشَّام في ثلثمائة ألف مقاتل، فَنَزَلَ عَلَى مَنْبِجَ وَأَحْرَقَ الْقُرَى مَا بَيْنَ مَنْبِجَ إِلَى أَرْضِ الرُّومِ، وَقَتَلَ رِجَالَهُمْ وَسَبَى نساءهم وأولادهم، وفرع الْمُسْلِمُونَ بِحَلَبَ وَغَيْرِهَا مِنْهُ فَزَعًا عَظِيمًا، فَأَقَامَ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ رَدَّهُ اللَّهُ خَاسِئًا وهو حسير، وَذَلِكَ لِقِلَّةِ مَا مَعَهُمْ مِنَ الْمِيرَةِ وَهَلَاكِ أَكْثَرِ جَيْشِهِ بِالْجُوعِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَفِيهَا ضاقت النفقة على أَمِيرِ مَكَّةَ فَأَخَذَ الذَّهَبَ مِنْ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ وَالْمِيزَابِ وَبَابِ الْكَعْبَةِ، فَضَرَبَ ذَلِكَ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ، وكذا فَعَلَ صَاحِبُ الْمَدِينَةِ بِالْقَنَادِيلِ الَّتِي فِي الْمَسْجِدِ النبوي.
وفيها كان غلاء شديد بمصر فأكلوا الْجِيَفَ وَالْمَيْتَاتِ وَالْكِلَابِ، فَكَانَ يُبَاعُ الْكَلْبُ بِخَمْسَةِ دنانير، وماتت الفيلة فأكلت ميتاتها، وَأُفْنِيَتِ الدَّوَابُّ فَلَمْ يَبْقَ لِصَاحِبِ مِصْرَ سِوَى ثلاثة أفراس، بعد أن كان له العدد الكثير من الخيل والدواب، وَنَزَلَ الْوَزِيرُ يَوْمًا عَنْ بَغْلَتِهِ فَغَفَلَ الْغُلَامُ عَنْهَا لِضَعْفِهِ مِنَ الْجُوعِ فَأَخَذَهَا ثَلَاثَةُ نَفَرٍ فذبحوها وأكلوها فأخذوا فصلبوا فما أصبحوا إلا وعظامهم بادية، قد أخذ الناس لحومهم فأكلوها، وَظُهِرَ عَلَى رَجُلٍ يَقْتُلُ الصِّبْيَانَ وَالنِّسَاءَ وَيَدْفِنُ رؤوسهم وأطرافهم، ويبيع لحومهم، فقتل وأكل لحمه، وَكَانَتِ الْأَعْرَابُ يَقْدَمُونَ بِالطَّعَامِ يَبِيعُونَهُ فِي ظَاهِرِ الْبَلَدِ، لَا يَتَجَاسَرُونَ يَدْخُلُونَ لِئَلَّا يُخْطَفَ وَيُنْهَبَ مِنْهُمْ، وَكَانَ لَا يَجْسُرُ أَحَدٌ أَنْ يَدْفِنَ مَيِّتَهُ نَهَارًا، وَإِنَّمَا يَدْفِنُهُ لَيْلًا خُفْيَةً، لِئَلَّا يُنْبَشَ فَيُؤْكَلَ.
وَاحْتَاجَ صَاحِبُ مِصْرَ حَتَّى بَاعَ أَشْيَاءَ مِنْ نَفَائِسِ مَا عِنْدَهُ، مِنْ ذَلِكَ إحدى عَشَرَ أَلْفَ دِرْعٍ،
وَعِشْرُونَ أَلْفَ سَيْفٍ مُحَلًّى، وَثَمَانُونَ أَلْفَ قِطْعَةِ بِلَّوْرَ كِبَارٌ، وَخَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ أَلْفَ قِطْعَةٍ مِنَ الدِّيبَاجِ