سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ بِعُصْفُورٍ يَدُورُ حَوْلَ عُصْفُورَةٍ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: أَتَدْرُونَ مَا يَقُولُ قَالُوا وَمَا يَقُولُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قَالَ يَخْطُبُهَا إِلَى نَفْسِهِ وَيَقُولُ زَوِّجِينِي أُسْكِنْكِ أَيَّ غُرَفِ دِمَشْقَ شِئْتِ.
قَالَ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأَنَّ غُرَفَ دِمَشْقَ مَبْنِيَّةٌ بِالصَّخْرِ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَسْكُنَهَا أَحَدٌ وَلَكِنْ كَلُّ خَاطِبٍ كَذَّابٌ.
رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ (?) : عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ زَاهِرِ بْنِ طَاهِرٍ عَنِ الْبَيْهَقِيِّ بِهِ وَكَذَلِكَ مَا عَدَاهَا مِنَ الْحَيَوَانَاتِ وَسَائِرِ صُنُوفِ الْمَخْلُوقَاتِ وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ بَعْدَ هَذَا مِنَ الْآيَاتِ: (وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شئ) أَيْ مِنْ كُلِّ مَا يَحْتَاجُ الْمَلِكُ إِلَيْهِ مِنَ الْعِدَدِ وَالْآلَاتِ وَالْجُنُودِ وَالْجُيُوشِ وَالْجَمَاعَاتِ مِنَ الجنِّ وَالْإِنْسِ وَالطُّيُورِ وَالْوُحُوشِ وَالشَّيَاطِينِ السَّارِحَاتِ وَالْعُلُومِ وَالْفُهُومِ وَالتَّعْبِيرِ عَنْ ضَمَائِرِ الْمَخْلُوقَاتِ مِنَ
النَّاطِقَاتِ وَالصَّامِتَاتِ ثُمَّ قَالَ: (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ) أي من بارئ البريات وخالق الأرض والسموات كَمَا قَالَ تَعَالَى: (وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ) [النَّمْلِ: 17 - 19] .
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ عَبْدِهِ وَنَبِيِّهِ وَابْنِ نَبِيِّهِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ رَكِبَ يَوْمًا فِي جَيْشِهِ جَمِيعِهِ مِنَ الجنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ، فَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ يَسِيرُونَ مَعَهُ، وَالطَّيْرُ سَائِرَةٌ مَعَهُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا مِنَ الْحَرِّ وَغَيْرِهِ، وَعَلَى كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْجُيُوشِ الثَّلَاثَةِ وَزَعَةٌ أَيْ نُقَبَاءُ يَرُدُّونَ أَوَّلَهُ عَلَى آخِرِهِ فَلَا يَتَقَدَّمُ أَحَدٌ عَنْ مَوْضِعِهِ الَّذِي يَسِيرُ فِيهِ، وَلَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ (?) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) [النمل: 18] فَأَمَرَتْ وَحَذَّرَتْ وَاعْتَذَرَتْ عَنْ سُلَيْمَانَ وَجُنُودِهِ بِعَدَمِ الشُّعُورِ.
وَقَدْ ذَكَرَ وَهْبٌ أَنَّهُ مَرَّ وَهُوَ عَلَى الْبِسَاطِ بِوَادٍ (?) بِالطَّائِفِ وَأَنَّ هَذِهِ النَّمْلَةَ كان اسمها جرسا (?) وَكَانَتْ مِنْ قَبِيلَةٍ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو الشَّيْصَبَانِ وَكَانَتْ عَرْجَاءَ وَكَانَتْ بِقَدْرِ الذِّئْبِ.
وَفِي هَذَا كُلِّهِ نَظَرٌ بَلْ فِي هَذَا السِّيَاقِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي مَوْكِبِهِ رَاكِبًا فِي خُيُولِهِ وَفُرْسَانِهِ لَا كَمَا زَعَمَ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهُ كَانَ إِذْ ذَاكَ عَلَى الْبِسَاطِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَنَلِ النَّمْلَ مِنْهُ شئ ولا وطئ لأن البساط كان عليه جميع ما