وَفِيهَا ظَهَرَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنَ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ (?) بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بِمَكَّةَ فَهَرَبَ مِنْهُ نَائِبُهَا جَعْفَرُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ عِيسَى بن موسى، فانتهب مَنْزِلَهُ وَمَنَازِلَ أَصْحَابِهِ وَقَتَلَ جَمَاعَةً مِنَ الْجُنْدِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، وَأَخَذَ مَا فِي الْكَعْبَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالطِّيبِ وَكُسْوَةَ الْكَعْبَةِ، وَأَخَذَ مِنَ النَّاسِ نَحَوًا مِنْ مِائَتَيْ أَلْفِ دِينَارٍ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ فَهَرَبَ منه نائبها أيضاً علي بن الحسين بن علي بْنِ إِسْمَاعِيلَ، ثُمَّ رَجَعَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ يُوسُفَ إِلَى مَكَّةَ فِي رَجَبٍ فَحَصَرَ أَهْلَهَا حَتَّى هَلَكُوا جُوعًا وَعَطَشًا فَبِيعَ الْخُبْزُ ثَلَاثُ أَوَاقٍ بِدِرْهَمٍ، وَاللَّحْمُ الرِّطْلُ بِأَرْبَعَةٍ، وَشَرْبَةُ الْمَاءِ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ، وَلَقِيَ مِنْهُ أَهْلُ مَكَّةَ كُلَّ بَلَاءٍ، فترحل عنهم إلى جدة - بعد مقامه عليهم سَبْعَةٍ وَخَمْسِينَ يَوْمًا - فَانْتَهَبَ أَمْوَالَ التُّجَّارِ هُنَالِكَ وَأَخَذَ الْمَرَاكِبَ وَقَطَعَ الْمِيرَةَ عَنْ أَهْلِ مَكَّةَ ثُمَّ عَادَ إِلَى مَكَّةَ لَا جَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا عَنِ الْمُسْلِمِينَ.
فلمَّا كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ لَمْ يُمَكِّنِ النَّاسَ مِنَ الْوُقُوفِ نَهَارًا وَلَا لَيْلًا، وَقَتَلَ مِنَ الْحَجِيجِ أَلْفًا وَمِائَةً، وَسَلَبَهُمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَمْ يَقِفْ بِعَرَفَةَ عَامَئِذٍ سِوَاهُ وَمِنْ معه من الحرامية، لَا تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنْهُمْ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا.
وفيها وهن أمر الخلافة جداً.
وَفِيهَا تُوُفِّيَ مِنَ الْأَعْيَانِ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ الكوننج (?) وَحُمَيْدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ (?) .
وَعَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ كثير بن دينار الحمصي (?) .
وأبو البقى (?) هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْيَزَنِيُّ.
اسْتَهَلَّتْ هَذِهِ السَّنَةُ وَقَدِ اسْتَقَرَّتِ الْخِلَافَةُ بِاسْمِ أبي عبد الله محمد المعتز بْنِ جَعْفَرٍ الْمُتَوَكِّلِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُعْتَصِمِ بْنِ هارون الرشيد، وَقِيلَ إِنَّ اسْمَ الْمُعْتَزِّ أَحْمَدُ، وَقِيلَ الزُّبَيْرُ، وهو الذي عول عليه ابْنُ عَسَاكِرَ وَتَرْجَمَهُ فِي تَارِيخِهِ.
فَلَمَّا خَلَعَ المستعين نَفْسَهُ مِنَ الْخِلَافَةِ وَبَايَعَ لِلْمُعْتَزِّ دَعَا الْخُطَبَاءُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ رَابِعَ الْمُحَرَّمِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ بِجَوَامِعِ بَغْدَادَ عَلَى الْمَنَابِرِ لِلْخَلِيفَةِ الْمُعْتَزِّ بِاللَّهِ، وَانْتَقَلَ الْمُسْتَعِينُ مِنَ الرُّصَافَةِ إِلَى قَصْرِ الْحَسَنِ بْنِ سَهْلٍ هُوَ وَعِيَالُهُ وَوَلَدُهُ وَجَوَارِيهِ، وَوَكَّلَ بِهِمْ سَعِيدَ بْنَ رَجَاءٍ فِي جَمَاعَةٍ مَعَهُ، وَأَخَذَ مِنَ الْمُسْتَعِينِ الْبُرْدَةَ وَالْقَضِيبَ وَالْخَاتَمَ، وَبَعَثَ بِذَلِكَ إِلَى الْمُعْتَزِّ ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ الْمُعْتَزُّ يطلب منه خاتمين من جوهر ثمين عِنْدَهُ يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا بُرْجٌ وَلِلْآخَرِ جَبَلٌ.
فَأَرْسَلَهُمَا.
وَطَلَبَ الْمُسْتَعِينُ أَنْ يَسِيرَ إِلَى مَكَّةَ فَلَمْ يُمَكَّنْ، فَطَلَبَ الْبَصْرَةَ فَقِيلَ لَهُ إِنَّهَا وَبِيئَةٌ.
فَقَالَ إِنَّ تَرْكَ الْخِلَافَةِ أَوْبَأُ مِنْهَا.
ثُمَّ أذن له في المسير إلى