الْمُؤْمِنِينَ هَذَا كَافِرٌ ضَالٌّ مُضِلٌّ.

وَقَالَ لَهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نَائِبُ بَغْدَادَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَيْسَ مِنْ تَدْبِيرِ الْخِلَافَةِ أَنْ تُخَلِّيَ سَبِيلَهُ وَيَغْلِبَ خَلِيفَتَيْنِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ حَمِيَ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ، وَكَانَ أَلْيَنَهُمْ عَرِيكَةً، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُمْ على شئ.

قَالَ أَحْمَدُ فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ لِي: لَعَنَكَ اللَّهُ، طَمِعْتُ فِيكَ أَنْ تُجِيبَنِي فَلَمْ تَجْبُنِي، ثُمَّ قَالَ: خُذُوهُ وَاخْلَعُوهُ وَاسْحَبُوهُ.

قَالَ أَحْمَدُ: فأخذت وسحبت وخلعت وجئ بالعاقبين والسياط وأنا أنظر، وكان معي شعرات مِنْ شَعْرِ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مصرورة فِي ثَوْبِي، فَجَرَّدُونِي مِنْهُ وَصِرْتُ بَيْنَ الْعُقَابَيْنِ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اللَّهَ اللَّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ " (?) وَتَلَوْتُ الْحَدِيثَ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أُمرت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهِ، فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا منِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ " (?) : فَبِمَ تَسْتَحِلُّ دَمِي وَلَمْ آتِ شَيْئًا مِنْ هَذَا؟ يَا أمير المؤمنين اذكر وقوفك بين اللَّهِ كَوُقُوفِي بَيْنَ يَدَيْكَ، فَكَأَنَّهُ أَمْسَكَ.

ثُمَّ لَمْ يَزَالُوا يَقُولُونَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ

إنه ضال مضل كافر، فأمر بي فقمت بين العقابين وجئ بِكُرْسِيٍّ فَأُقِمْتُ عَلَيْهِ وَأَمَرَنِي بَعْضُهُمْ أَنْ آخُذَ بِيَدِي بِأَيِّ الْخَشَبَتَيْنِ فَلَمْ أَفْهَمْ، فَتَخَلَّعَتْ يَدَايَ وجئ بِالضَّرَّابِينَ وَمَعَهُمُ السِّيَاطُ فَجَعَلَ أَحَدُهُمْ يَضْرِبُنِي سَوْطَيْنِ وَيَقُولُ لَهُ - يَعْنِي الْمُعْتَصِمُ -: شُدَّ قَطَّعَ اللَّهُ يديك، ويجئ الْآخَرُ فَيَضْرِبُنِي سَوْطَيْنِ ثُمَّ الْآخَرُ كَذَلِكَ، فَضَرَبُونِي أَسْوَاطًا فَأُغْمِيَ عليَّ وَذَهَبَ عَقْلِي مِرَارًا، فَإِذَا سكن الضرب يعود عليَّ عَقْلِي، وَقَامَ الْمُعْتَصِمُ إلَّي (?) يَدْعُونِي إِلَى قَوْلِهِمْ فَلَمْ أُجِبْهُ، وَجَعَلُوا يَقُولُونَ: وَيْحَكَ! الْخَلِيفَةُ عَلَى رأسك، فلم أقبل وأعادوا الضَّرْبَ ثُمَّ عَادَ إِلَيَّ فَلَمْ أُجِبْهُ، فَأَعَادُوا الضَّرْبَ ثُمَّ جَاءَ إِلَيَّ الثَّالِثَةَ، فَدَعَانِي فَلَمْ أَعْقِلْ مَا قَالَ مِنْ شِدَّةِ الضَّرْبِ، ثُمَّ أَعَادُوا الضَّرْبَ فَذَهَبَ عَقْلِي فَلَمْ أُحِسَّ بِالضَّرْبِ وَأَرْعَبَهُ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِي وَأَمَرَ بِي فَأُطْلِقْتُ وَلَمْ أَشْعُرْ إِلَّا وَأَنَا فِي حُجْرَةٍ مِنْ بِيْتٍ، وَقَدْ أُطْلِقَتِ الْأَقْيَادُ مِنْ رِجْلِي، وَكَانَ ذَلِكَ فِي الْيَوْمِ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ مِنْ سَنَةِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ، ثُمَّ أَمَرَ الْخَلِيفَةُ بِإِطْلَاقِهِ إِلَى أَهْلِهِ، وَكَانَ جُمْلَةُ مَا ضُرِبَ نَيِّفًا وَثَلَاثِينَ سَوْطًا، وَقِيلَ ثَمَانِينَ سَوْطًا، ولكن كَانَ ضَرْبًا مُبَرِّحًا شَدِيدًا جِدًّا (?) .

وَقَدْ كَانَ الإمام أحمد رجلاً رَقِيقًا أَسْمَرَ اللَّوْنِ كَثِيرَ التَّوَاضُعِ رَحِمَهُ اللَّهُ.

وَلَمَّا حُمِلَ مِنْ دَارِ الْخِلَافَةِ إِلَى دَارِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَهُوَ صَائِمٌ، أَتَوْهُ بِسَوِيقٍ لِيُفْطِرَ مِنَ الضَّعْفِ فَامْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ وَأَتَمَّ صَوْمَهُ، وَحِينَ حَضَرَتْ صَلَاةُ الظُّهْرِ صَلَّى مَعَهُمْ فقال له ابن سماعة القاضي وصليت فِي دَمِكَ! فَقَالَ لَهُ أَحْمَدُ: قَدْ صَلَّى عُمَرُ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا، فَسَكَتَ.

وَيُرْوَى أَنَّهُ لما أقيم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015