أَبُو شِيصٍ الشَّاعِرُ مُحَمَّدُ بْنُ رَزِينِ بْنِ سليمان، كان أستاذ الشعراء، وإنشاء الشعر ونظمه أسهل عليه من شرب الماء، كذا قال ابن خلكان وغيره.
وكان هو وأبو مسلم بْنُ الْوَلِيدِ - الْمُلَقَّبُ صَرِيعَ الْغَوَانِي - وَأَبُو نُوَاسٍ وَدِعْبِلٌ يَجْتَمِعُونَ وَيَتَنَاشَدُونَ.
وَقَدْ عَمِيَ أَبُو الشِّيصِ فِي آخِرِ عُمُرِهِ، وَمِنْ جَيِّدِ شِعْرِهِ قَوْلُهُ: وَقَفَ الْهَوَى بِي حَيْثُ أَنْتِ فَلَيْسَ لِي * مُتَأَخَّرٌ عَنْهُ وَلَا مُتَقَدَّمُ أَجِدُ الْمَلَامَةَ فِي هَوَاكِ لَذِيذَةً * حُبًّا لِذِكْرِكِ فَلْيَلُمْنِي اللوَّم أَشْبَهْتِ أَعْدَائِي فَصِرْتُ أُحِبُّهُمْ * إِذْ كَانَ حَظِّي مِنْكِ حَظِّي مِنْهُمُ وأَهَنْتِنِي فَأَهَنْتُ نَفْسِي صَاغِرًا * مَا منْ يهون عليك ممن تكرم (?) ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ اسْتَهَلَّتْ هذه السنة وقد ألح طاهر بن الحسين وهرثمة بن أعين ومن معهما في حصار بغداد
والتضييق على الْأَمِينِ، وَهَرَبَ الْقَاسِمُ بْنُ الرَّشِيدِ وَعَمُّهُ مَنْصُورُ بْنُ الْمَهْدِيِّ إِلَى الْمَأْمُونِ فَأَكْرَمَهُمَا، وَوَلَّى أَخَاهُ القاسم جرجان، واشتد حصار بغداد ونصب عَلَيْهَا الْمَجَانِيقُ والعرَّادات.
وَضَاقَ الْأَمِينُ بِهِمْ ذَرْعًا، وَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ مَا يُنْفِقُ فِي الْجُنْدِ، فَاضْطَرَّ إِلَى ضَرْبِ آنِيَةِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ، وَهَرَبَ كَثِيرٌ مِنْ جُنْدِهِ إِلَى طَاهِرٍ، وَقُتِلَ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَأُخِذَتْ أموال كثيرة منهم، وبعث الأمين إلى قصور كثيرة ودور شهيرة مزخرفة وأماكن ومحال كثيرة فحرقها بالنار لِمَا رَأَى فِي ذَلِكَ مِنَ الْمَصْلَحَةِ فَعَلَ كُلَّ هَذَا فِرَارًا مِنَ الْمَوْتِ وَلِتَدُومَ الْخِلَافَةُ لَهُ فَلَمْ تَدُمْ، وَقُتِلَ وَخُرِّبَتْ دِيَارُهُ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا، وَفَعَلَ طَاهِرٌ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْأَمِينُ حَتَّى كَادَتْ بَغْدَادُ تَخْرَبُ بِكَمَالِهَا، فَقَالَ بعضهم (?) فِي ذَلِكَ: مَنْ ذَا أَصَابَكِ يَا بَغْدَادُ بِالْعَيْنِ * أَلَمْ تَكُونِي زَمَاناً قُرَّةَ الْعَيْنِ أَلَمْ يَكُنْ فِيكِ قَوْمٌ كَانَ مَسْكَنُهُمْ * وَكَانَ قُرْبُهُمْ (?) زَيْنًا مِنَ الزَّيْنِ صَاحَ الْغُرَابُ (?) بِهِمْ بِالْبَيْنِ فَافْتَرَقُوا * مَاذَا لَقِيتِ بِهِمْ مِنْ لَوْعَةِ الْبَيْنِ أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ قَوْماً مَا ذَكَرْتُهُمْ * إِلَّا تحدَّر ماء العين (?) من عيني