موسى في كل حين يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ إِلَى آخِرِ مُدَّةِ مُوسَى كَمَا هُوَ الْمَعْلُومُ مِنْ سِيَاقِ كِتَابِهِمْ عِنْدَ تَابُوتِ الشَّهَادَةِ فِي قُبَّةِ الزَّمَانِ.
وَقَدْ ذَكَرُوا فِي السَّفَرِ الثَّالِثِ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ مُوسَى وَهَارُونَ أَنْ يَعُدَّا بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى أَسْبَاطِهِمْ، وَأَنْ يَجْعَلَا عَلَى كُلِّ سِبْطٍ مِنَ الِاثْنَيْ عَشَرَ أَمِيرًا، وَهُوَ النَّقِيبُ وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِيَتَأَهَّبُوا لِلْقِتَالِ قِتَالِ الْجَبَّارِينَ عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنَ التِّيهِ وَكَانَ هَذَا عِنْدَ اقْتِرَابِ انْقِضَاءِ الْأَرْبَعِينَ سَنَةً.
وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّمَا فَقَأَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَيْنَ مَلَكِ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْهُ فِي صُورَتِهِ تِلْكَ، وَلِأَنَّهُ كَانَ قَدْ أُمِرَ بِأَمْرٍ كَانَ يَرْتَجِي وُقُوعَهُ فِي زَمَانِهِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي قَدَرِ اللَّهِ أَنْ يَقَعَ ذَلِكَ فِي زَمَانِهِ، بَلْ فِي زَمَانِ فَتَاهَ يُوشَعَ بْنِ نُونٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: كَمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم كَانَ قَدْ أَرَادَ غَزْوَ الرُّومِ بِالشَّامِ فَوَصَلَ إِلَى تَبُوكَ، ثُمَّ رَجَعَ عَامَهُ ذَلِكَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ.
ثُمَّ حَجَّ فِي سَنَةِ عَشْرٍ، ثُمَّ رَجَعَ فَجَهَّزَ جَيْشَ أُسَامَةَ إِلَى الشَّامِ، طَلِيعَةً بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ كَانَ عَلَى عَزْمِ الْخُرُوجِ إِلَيْهِمْ امْتِثَالًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتَابَ حَتَّى يعطو الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) [التوبة: 29] وَلَمَّا جَهَّزَ رَسُولُ اللَّهِ جَيْشَ أُسَامَةَ تُوُفِّيَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَأُسَامَةُ مُخَيِّمٌ بِالْجَرْفِ (?) ، فَنَفَّذَهُ صَدِيقُهُ وَخَلِيفَتُهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، ثما لَمَّا لمَّ شَعَثَ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَمَا كَانَ دهى مِنْ أَمْرِ أَهْلِهَا، وَعَادَ الحقُّ إِلَى نِصَابِهِ، جَهَّزَ الْجُيُوشَ يَمْنَةً وَيَسْرَةً إِلَى الْعِرَاقِ أَصْحَابِ كِسْرَى مَلِكِ الْفُرْسِ، وَإِلَى الشَّامِ أَصْحَابِ قَيْصَرَ مَلِكِ الرُّوم، فَفَتَحَ اللَّهُ لَهُمْ وَمَكَّنَ لَهُمْ وبهم، وملكهم نواصي أعدائهم كما سنورده عليك فِي مَوْضِعِهِ.
إِذَا انْتَهَيْنَا إِلَيْهِ مُفَصَّلًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِعَوْنِهِ وَتَوْفِيقِهِ وَحُسْنِ إِرْشَادِهِ * وَهَكَذَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ اللَّهُ قَدْ أَمَرَهُ أَنْ يُجَنِّدَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَنْ يَجْعَلَ عَلَيْهِمْ نُقَبَاءَ كَمَا قَالَ تَعَالَى (وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً، وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ برسلي وعززتموهم وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سيأتكم وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ) [المائدة: 12] يَقُولُ لَهُمْ: لَئِنْ قُمْتُمْ بِمَا أَوْجَبْتُ عَلَيْكُمْ، وَلَمْ تَنْكِلُوا عَنِ الْقِتَالِ كَمَا نكلتم أول مرة، لأجعلن ثواب هذه مكفراً لِمَا وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ عِقَابِ تِلْكَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى لِمَنْ تَخَلَّفَ مِنَ الْأَعْرَابِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم في غزوة الْحُدَيْبِيَةِ (قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيمًا) [الفتح: 16] .
وَهَكَذَا قَالَ تَعَالَى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ - فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ) ثم ذمهم تَعَالَى عَلَى سُوءِ صَنِيعِهِمْ وَنَقْضِهِمْ مَوَاثِيقَهُمْ كَمَا ذَمَّ مَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ النَّصَارَى عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي دِينِهِمْ وَأَدْيَانِهِمْ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي التَّفْسِيرِ مُسْتَقْصًى وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يَكْتُبَ أسماء المقاتلة من بني إسرائيل ممن