ثم دخلت سنة تسع وعشرين ومائة فِيهَا اجْتَمَعَتِ الْخَوَارِجُ بَعْدَ الْخَيْبَرِيِّ عَلَى شَيْبَانَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْحُلَيْسِ الْيَشْكُرِيِّ الْخَارِجِيِّ فَأَشَارَ عَلَيْهِمْ سُلَيْمَانُ بْنُ هِشَامٍ أَنْ يَتَحَصَّنُوا بِالْمَوْصِلِ وَيَجْعَلُوهَا مَنْزِلًا لَهُمْ، فَتَحَوَّلُوا إِلَيْهَا وَتَبِعَهُمْ مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، فَعَسْكَرُوا بِظَاهِرِهَا وَخَنْدَقُوا عَلَيْهِمْ مِمَّا يَلِي جَيْشَ مَرْوَانَ.

وَقَدْ خَنْدَقَ مَرْوَانُ عَلَى جَيْشِهِ أَيْضًا مِنْ نَاحِيَتِهِمْ، وَأَقَامَ سَنَةً (?) يُحَاصِرُهُمْ وَيَقْتَتِلُونَ فِي كُلِّ يَوْمٍ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً، وَظَفَرَ مَرْوَانُ بِابْنِ أَخٍ لِسُلَيْمَانَ بْنِ هِشَامٍ، وَهُوَ أُمَيَّةُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ هِشَامٍ، أَسَرهُ بَعْضُ جَيْشِهِ، فَأَمَرَ بِهِ فَقُطِعَتْ يداه ثم ضرب عُنُقُهُ، وَعَمُّهُ سُلَيْمَانُ وَالْجَيْشُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ.

وَكَتَبَ مَرْوَانُ إِلَى نَائِبِهِ بِالْعِرَاقِ يَزِيدَ بْنِ عُمَرَ بْنِ هُبَيْرَةَ يَأْمُرُهُ بِقِتَالِ الْخَوَارِجِ الَّذِينَ فِي بِلَادِهِ.

فَجَرَتْ لَهُ مَعَهُمْ وَقَعَاتٌ عَدِيدَةٌ، فَظَفِرَ بِهِمُ ابْنُ هُبَيْرَةَ.

وَأَبَادَ خَضْرَاءَهُمْ وَلَمْ يُبْقِ لهم بقية بالعراق، واستنقذ الكوفة من أيدي الخوارج، وَكَانَ عَلَيْهَا الْمُثَنَّى بْنُ عِمْرَانَ الْعَائِذِيُّ - عَائِذَةُ قُرَيْشٍ - فِي رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَكَتَبَ مَرْوَانُ إِلَى ابْنِ هُبَيْرَةَ لَمَّا فَرَغَ مِنَ الخوارج أن يمده بعمار بن صبارة (?) - وكان من الشجعان - فبعثه إليه في سبعة آلاف أو ثمانية آلاف، فأرسلت إِلَيْهِ سَرِيَّةً فِي أَرْبَعَةِ آلَافٍ فَاعْتَرَضُوهُ فِي الطَّرِيقِ فَهَزَمَهُمُ ابْنُ ضُبَارَةَ وَقَتَلَ أَمِيرَهُمُ الْجَوْنَ بْنَ كِلَابٍ الشَّيْبَانِيَّ الْخَارِجِيَّ، وَأَقْبَلَ نَحْوَ الْمَوْصِلِ، وَرَجَعَ فَلُّ الْخَوَارِجِ إِلَيْهِمْ.

فَأَشَارَ سُلَيْمَانُ بْنُ هِشَامٍ عَلَيْهِمْ أَنْ يَرْتَحِلُوا عَنِ الْمَوْصِلِ، فإنَّه لَمْ يَكُنْ يُمْكِنُهُمُ الْإِقَامَةُ بِهَا، وَمَرْوَانُ مِنْ أَمَامِهِمْ وَابْنُ ضُبَارَةَ مِنْ وَرَائِهِمْ، قَدْ قَطَعَ عَنْهُمُ الْمِيرَةَ حَتَّى لَمْ يَجِدُوا شَيْئًا يَأْكُلُونَهُ، فَارْتَحَلُوا عَنْهَا وَسَارُوا عَلَى حُلْوَانَ إِلَى الْأَهْوَازِ، فَأَرْسَلَ مَرْوَانُ ابْنَ ضُبَارَةَ فِي آثَارِهِمْ فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ، فَاتَّبَعَهُمْ يَقْتُلُ مَنْ تخلَّف مِنْهُمْ وَيَلْحَقُهُمْ فِي مُوَاطِنَ فَيُقَاتِلُهُمْ، وَمَا زَالَ وَرَاءَهُمْ حَتَّى فَرَّقَ شَمْلَهُمْ شَذَرَ مَذَرَ، وَهَلَكَ أَمِيرُهُمْ

شَيْبَانُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْيَشْكُرِيُّ بِالْأَهْوَازِ فِي السَّنَةِ الْقَابِلَةِ، قَتَلَهُ خَالِدُ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ خُلَيْدٍ الْأَزْدِيُّ (?) .

وَرَكِبَ سُلَيْمَانُ بْنُ هِشَامٍ فِي مَوَالِيهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ السُّفُنَ وَسَارُوا إِلَى السِّنْدِ، وَرَجَعَ مَرْوَانُ مِنَ الْمَوْصِلِ فَأَقَامَ بمنزله بحران وقد وجد سروراً بزوال الخوارح، وَلَكِنْ لَمْ يَتِمَّ سُرُورُهُ، بَلْ أَعْقَبَهُ الْقَدَرُ مَنْ هُوَ أَقْوَى شَوْكَةً وَأَعْظَمُ أَتْبَاعًا، وَأَشَدُّ بَأْسًا مِنَ الْخَوَارِجِ، وَهُوَ ظُهُورُ أَبِي مُسْلِمٍ الْخُرَاسَانِيُّ الدَّاعِيَةُ إِلَى دَوْلَةِ بَنِي العبَّاس.

أَوَّلُ ظهور أبي مسلم الخراساني

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ وَرَدَ كِتَابٌ مِنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْإِمَامِ الْعَبَّاسِيِّ بِطَلَبِ أَبِي مُسْلِمٍ الخراساني من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015